مع مرور 10 أعوام على قرار توطين سوق الهواتف المحمولة وصيانتها في السعودية، أسهم القطاع في زيادة معدلات الإنفاق المحلي وتقليص خروج الأرباح للخارج، رغم التحديات التقنية التي واجهت السعوديين، حيث يتطلب العمل في السوق مهارات متقدمة تكنولوجية.

بحسب خبراء تحدثوا لـ”الاقتصادية”، فإن الشباب السعودي استطاع تحمل المسؤولية في هذا السوق المزدهر، التي فتحت المجال لفرص عمل نوعية ساعدت على نقل الخبرة والاعتماد على الكفاءات الوطنية.


أرقام في السوق


كشفت وزارة التجارة لـ “الاقتصادية” أن عدد السجلات التجارية القائمة لنشاط البيع بالتجزئة لأجهزة الهواتف المحمولة قد بلغ أكثر من 19.5 ألف سجل حتى نهاية النصف الأول من العام 2025، فيما بلغ عدد السجلات التجارية القائمة لنشاط إصلاح وصيانة أجهزة الهواتف المحمولة الجوال 8164 سجل.

ويبلغ إجمالي عدد السجلات في مجال بيع وصيانة الجوال 27.7 ألف سجل، فيما يصل متوسط عدد العاملين في المتجر الواحد إلى 3 أشخاص حسب مختصين، ما يعني أن هناك أكثر من 83 ألف سعودي يعملون في السوق.

من جانب، آخر كشفت الهيئة العامة للإحصاء لـ”الاقتصادية” أن عدد أجهزة الهواتف المحمولة (الجوال) التي تم استيرادها من يناير حتى شهر مايو من عام 2025 قد بلغ 67.97 ألف جهاز.


القرار يعد نموذجا لأي قرارات أخرى لاحقة


رئيس لجنة الموارد البشرية في مجلس الشورى سابقاً، عبدالرحمن بهيجان، قال إن قرارُ تَوْطين سوق بيع وصيانة أجهزة الجوَّال من القرارات النَّاجحة والجريئة في مجال تصحيح سوق العمل السعودية.

وأكد أن وزارة الموارد البشرية والتنمية الإجتماعية وفرت حماية جيدة للمشروع مما أسهم في نجاحه، مضيفا “لقد قامت الوزارة بإغلاق 1950 منشأة وذلك لعدم التزامها بتطبيق قرار التوطين، وهو ما يعكس حزم وصرامة الوزارة في إنفاذ القرار.

وأشار إلى أن القرار يعد نموذجًا لأيِّ قرارات أخرى لاحقة تتعلق بسوق العمل ومشجعًا باتخاذ أي قرارات تصحيحية لسوق العمل مستقبلاً، مؤكدا أن القرار أسهم في توفير دخل مالي وفُرص مستقرة في سوق الجوالات، مشيراً إلى أن القرار مكن الشاب السعودي والسعودية بالمعارف والمهارات الهامة في هذا المجال وفي ريادة الأعمال بشكلٍ أوسع.


دوران اقتصادي محلي يُقدر بمليارات الريالات


في الجانب الاقتصادي، قال بهيجان إنه سجَّل نشاط الاتصالات وتقنية المعلومات إيرادات تشغيلية بلغت 236.4 مليار ريال في عام 2023 وهو ما يُظهر نجاح سوق الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية.

وأضاف “لقد مثَّل هذا القرار خطوةً إيجابيةً في سوق العمل، حيث زاد عدد العاملين في كل منشأة تتعلق ببيع الجوالات وملحقاتها بمتوسط 2-3 سعوديين في حين أنَّها قد تبلغ في بعض الحالات 4-5 موظفين سعوديين وسعوديات”.

بهيجان أوضح أن عدد السجلات التجارية القائمة اليوم في مجال بيع وصيانة أجهزة الهاتف المحمول تبلغ 27697 منشأة ملتزمة بالقرار، وعلى افتراض أن متوسط عدد العاملين في المحل الواحد 3 موظفين، فإنَّه من المتوقع أنْ يتجاوز عدد الموظفين والموظفات في هذا المجال أكثر من 83 ألف سعودي وسعودية.

وذكر أن القرار أسهم في إيجاد وظائف وإتاحة مزيد من الفرص ودعم مشاركة السعوديين والسعوديات والمساهمة في دوران اقتصادي محلي يُقدر بمليارات الريالات ضمن قطاع الاتصالات الأوسع الذي يُحقق إيرادات تشغيلية تفوق 220 مليار ريال.


توطين رأس المال


قال مستشار موارد بشرية، أحمد القحطاني، إن الهيئة العامة للإحصاء أوضحت أن القطاع أسهم في زيادة معدلات الإنفاق المحلي وتقليص خروج الأرباح للخارج، مما يعزز مساهمة الأنشطة الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي.

القحطاني أكد أن القرار أثبت أن توطين القطاعات 100% هو أفضل سبل توطين سوق العمل، وأكثرها تأثيراً في فرص العمل والكسب للمواطنين، مشيراً إلى أن هناك قطاعات أخرى يمكن توطينها بشكل كامل بسهولة بالنظر إلى تجربة توطين سوق الهواتف المحمولة.

وأكد أنه لا تتوفر إحصاءات رسمية حول متوسط دخل الفرد العامل في متجر واحد، ولا توجد إحصاءات رسمية معلنة حول متوسط الدخل في هذا النشاط تحديدًا. وقال “بالرجوع إلى بيانات الغرف التجارية السعودية واستطلاعات السوق، يتراوح متوسط الدخل الشهري للعامل السعودي في هذا المجال بين 8 آلاف و12 ألف ريال، مع تفاوت يعتمد على موقع المتجر وحجمه”.

وأوضح أن قرار التوطين ساهم في تحويل النشاط من عمالة وافدة منخفضة المهارة إلى قطاع تنافسي يدعم الاقتصاد المحلي ويعزز ثقافة ريادة الأعمال.


تجربة السوق وتخطي الصعوبات


من وسط السوق، وفي خضم التجربة، يرى امالك لأحد المحال، عبدالله الشمراني، أن السوق قبل قرار التوطين كان أغلب المنتجات التي يتم بيعها وخصوصاً في إكسسوارات الجوال من شواحن متنقلة وغيرها منتجات أو علامات جودتها أقل من المتوسطة، ما يؤدي إلى مخاطر كبيرة على الأجهزة بشكل كبير.

وأضاف “كان الهدف تحقيق أرباح بغض النظر عن جودة البضاعة”، مشيراً إلى أنه مع دخول السعوديين فإن 90% من المنتجات أصبحت أصلية وذات جودة، مؤكدا أن السعوديين طوروا القطاع بشكل كبير، مبينا أن السعوديين خاضوا تحديات كبيرة في بداية قرار التوطين، تجاوزوها بنجاح.

وحول التحديات التي قد تشكل تهديداً للتوطين في سوق المحمول، قال الشمراني “أتوقع أن الرؤية اتضحت أمامنا كشباب سعوديين، وتخطينا الصعوبات التي واجهتنا في البدايات”.

وحول متوسط دخل المتجر الجيد اليوم سواء في مجال بيع المحمول أو صيانته، أكد الشمراني أن الأمر يتوقف على حسب رأس المال وموقع المحل. وقال: أنصح الشباب الذين يريدون الاستثمار في سوق الهواتف المحمولة أو صيانتها أن يصمدوا في البداية إلى أن يتجاوزوا أول 6 أشهر في السوق، وبعد ذلك يبدأ الدخل الجيد والذي يتراوح من 6 الاف شهرياً إلى 20 ألف ريال، وكلما كبر المشروع سيصل إلى أرقام تفوق 50 ألف وأكثر.


السعوديات في قلب السوق


زينب الحربي، سعودية اقتحمت مجال صيانة الأجهزة المحمولة، لتصبح من السعوديات اللاتي واكبن التحديثات المستمرة على الأجهزة المحمولة في مجال الصيانة، الحربي قالت إنه منذ انطلاق مشروعها في مجال صيانة المحمول حرصت على تطوير مهاراتها بشكل مستمر، وذلك من خلال متابعة الدورات المتخصصة وعبر المنصات التدريبية، مؤكدة اطلاعها على المراجع التقنية الخاصة بمصنّعي الهواتف، وكذلك الاستثمار في الأجهزة والأدوات الحديثة المخصصة للصيانة الدقيقة، وتكوين شبكة من الخبراء والفنيين السعوديين لتبادل المعرفة والخبرات.

وحول الدعم التدريبي والمادي المقدم للسعوديين المنخرطين في المجال، قالت زينب الحربي “بالفعل حصلنا على دعم ملموس من خلال البرامج التدريبية التي قدمتها الجهات الرسمية مثل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. وكذلك مبادرات التوطين التي أتاحت فرص تمويل وتسهيلات لأصحاب المشاريع الصغيرة”.

وأكدت أن تجربة التوطين أسهمت بشكل مباشر في تعزيز دور الكوادر الوطنية في هذا القطاع الحيوي، وفتحت المجال لفرص عمل نوعية ساعدت على نقل الخبرة من الاعتماد على العمالة الوافدة إلى الاعتماد على الكفاءات الوطنية.

شاركها.