تأتي زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند، وهي الأولى له منذ غزو أوكرانيا عام 2022، في وقت بالغ الأهمية للعلاقات الثنائية. تهدف القمة إلى إعادة تأكيد الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بين موسكو ونيودلهي، على الرغم من تحديات جديدة مثل الرسوم الجمركية الأميركية المتزايدة على النفط الروسي وضغوط العقوبات الغربية. وتسلط الزيارة الضوء على أهمية الهند بالنسبة لروسيا كشريك اقتصادي ودبلوماسي رئيسي.
بالنسبة لبوتين، تمثل هذه القمة فرصة حيوية لعرض صفقات محتملة في مجالات الطاقة والأسلحة، وإظهار أن روسيا ما زالت تحظى بدعم شركاء دوليين مهمين. في المقابل، يجد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في هذه الزيارة فرصة لتعزيز العلاقات مع مورد دفاعي تقليدي مع الحفاظ على استقلالية سياسة بلاده الخارجية، وهو أمر يواجه ضغوطاً أميركية متزايدة.
العلاقات الهندية الروسية: توازن صعب في ظل التغيرات العالمية
تركز المحادثات بين الطرفين بشكل أساسي على الدفاع والتجارة والطاقة وحركة العمالة. ومع ذلك، فإن السياق الجيوسياسي المتغير، وخاصة الحرب في أوكرانيا، يلقي بظلاله على هذه العلاقة. تواجه الهند معضلة: كيف تحافظ على علاقاتها مع روسيا، المورد الرئيسي للأسلحة، وفي الوقت نفسه تجنب إغضاب الولايات المتحدة وأوروبا، الشركاء التجاريين والاستثماريين المهمين؟
في ظل هذه الظروف، قد يكون رد فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تجدد الدفء في العلاقات الهندية الروسية عاملاً مهماً. فترامب سبق له أن شدد الرسوم الجمركية على الواردات الهندية ردًا على شراء نيودلهي للنفط الروسي. من غير الواضح ما إذا كان سيستمر في هذا النهج أم سيسعى إلى إيجاد حلول وسط مع الهند.
تحديات اقتصادية للهند و روسيا
تواجه الهند تحديات اقتصادية متزايدة بسبب الرسوم الجمركية الأميركية، مما يهدد آفاق نموها الاقتصادي. في الوقت نفسه، تخضع روسيا لعقوبات غربية متزايدة، مما يحد من قدرتها على التجارة والاستثمار. الاعتماد المتبادل بين البلدين يخلق فرصًا وتحديات على حد سواء.
تدرك الهند أن الاعتماد المفرط على روسيا قد يكون محفوفًا بالمخاطر، خاصة وأن روسيا تتعمق في علاقاتها مع الصين، التي تعتبرها الهند منافسًا استراتيجيًا. ومع ذلك، فإن قطع العلاقات مع روسيا بشكل كامل ليس خيارًا مطروحًا، نظرًا لأهمية روسيا في تلبية احتياجات الهند الدفاعية.
تشير البيانات إلى أن حجم التجارة الثنائية بين الهند وروسيا قد بلغ ذروته بعد غزو أوكرانيا، ولكنه من المتوقع أن ينخفض مع تقليل الهند مشترياتها من النفط الروسي. في عام 2024، بلغ حجم التجارة 72.2 مليار دولار، لكن هذا الرقم يعكس بشكل كبير مشتريات النفط الرخيصة. تتطلع الهند الآن إلى توسيع صادراتها إلى روسيا، بما في ذلك الأدوية والمنسوجات والمنتجات الزراعية.
التعاون الدفاعي: ركيزة أساسية لكنها ليست مضمونة
يظل التعاون الدفاعي محورًا رئيسيًا في العلاقة بين الهند وروسيا. تناولت المحادثات مشتريات هندية إضافية لأنظمة الدفاع الجوي “إس-400″، بالإضافة إلى إمكانية التصنيع المشترك لأنظمة الدفاع الصاروخي “إس-500”. كما تتطلع روسيا إلى بيع مقاتلات “سوخوي إس يو-57” إلى الهند.
ومع ذلك، تواجه الهند تحديات في هذا المجال. فقد عانت الصفقات الدفاعية الروسية من تأخيرات في التسليم ومشاكل في الصيانة. بالإضافة إلى ذلك، فإن شراء أسلحة روسية قد يؤدي إلى توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تحث الهند على تقليل اعتمادها على موسكو. وتركز الهند بشكل متزايد على التصنيع المحلي للمعدات الدفاعية، وتسعى إلى نقل التكنولوجيا من روسيا ودول أخرى.
النقص في العمالة الروسية و فرص العمل الهندية
تسعى روسيا إلى استقدام العمال الهنود لمعالجة النقص الحاد في العمالة الماهرة الذي تعاني منه. وقد وقع البلدان اتفاقية لتنظيم هجرة العمالة وحماية حقوقهم. ارتفع عدد العمال الهنود في روسيا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ليصل إلى 17700 في عام 2025، مع توقعات بزيادة هذا العدد إلى 71800 عاملًا سنويًا.
ينبع أزمة العمالة في روسيا من تراجع النمو السكاني، وارتفاع معدلات الشيخوخة، وتأثير الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك خسائر الأرواح والهجرة و التجنيد. مع استمرار هذه الاتجاهات، من المتوقع أن يواجه الاقتصاد الروسي نقصًا متزايدًا في العمال في المستقبل.
في الختام، تظل العلاقة بين الهند وروسيا معقدة وديناميكية. من المتوقع أن تستمر الهند في اتباع نهج براغماتي، وسوف تسعى إلى موازنة مصالحها مع كل من روسيا والولايات المتحدة. وتعتبر تطورات الحرب في أوكرانيا ورد فعل الإدارة الأمريكية على العلاقات الهندية الروسية من العوامل الرئيسية التي ستشكل مستقبل هذه الشراكة. يجب مراقبة مفاوضات الصفقات الدفاعية وتدفقات التجارة بعناية في الأشهر المقبلة لتقييم اتجاه هذه العلاقة.
