سجلت الأسواق المالية الآسيوية أداءً متذبذباً اليوم، حيث لم تتمكن بيانات الوظائف الأمريكية المخيبة للآمال من إثارة التوقعات بحدوث تخفيضات إضافية في معدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي. وتأثرت حركة الأسهم بمساعي لتقييم المخاطر الاقتصادية العالمية وتأثيرها على سياسات البنوك المركزية، مما أدى إلى حالة من الحذر في التداولات. وركز المستثمرون بشكل خاص على تطورات أسعار الفائدة وتأثيرها المحتمل على النمو الاقتصادي.
وعلى الرغم من التقلبات، تمكن المؤشر الإقليمي لأسهم آسيا والمحيط الهادئ التابع لـ “إم إس سي آي” من التعافي وارتفع بنسبة 0.1%، بينما شهدت الأسواق الأمريكية تغيرات طفيفة بعد نشر تقرير سوق العمل يوم الثلاثاء. وفي الصين، لفتت الأنظار عملية إدراج جديدة لشركة “ميتا إكس” (MetaX Integrated Circuits Shanghai Co) المتخصصة في صناعة الرقائق، حيث ارتفع سعر سهمها بنسبة تصل إلى 643%.
النفط والسلع في دائرة الضوء
ارتفعت أسعار النفط الخام بأكثر من 1% بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرض حصار على ناقلات النفط المتجهة إلى فنزويلا والخارجة منها. أثار هذا الإجراء مخاوف بشأن إمدادات النفط من فنزويلا، العضو في منظمة أوبك، مما أدى إلى زيادة الطلب على النفط وارتفاع أسعاره.
بالإضافة إلى النفط، شهدت أسواق السلع الأخرى ارتفاعًا ملحوظًا، حيث تجاوزت الفضة مستوى 65 دولارًا للأونصة، واقترب الذهب من تحقيق رقم قياسي جديد. كما واصل البلاتين مكاسبه لليوم الخامس على التوالي، مسجلاً أعلى مستوى له منذ عام 2011.
تأثير القرارات السياسية على أسواق السلع
يعزى الارتفاع في أسعار السلع بشكل كبير إلى التوترات الجيوسياسية والسياسات التجارية المتغيرة، بالإضافة إلى المخاوف بشأن تعطل سلاسل الإمداد العالمية. يتوقع المحللون أن تستمر هذه العوامل في التأثير على أسواق السلع خلال الفترة المقبلة.
بيانات سوق العمل الأمريكي والرهانات على خفض أسعار الفائدة
أظهرت أحدث البيانات الصادرة عن سوق العمل في الولايات المتحدة تباطؤًا في وتيرة التوظيف، لكنه لم يكن تراجعًا حادًا كما كان متوقعًا. وقد أدى ذلك إلى تريث المستثمرين في المراهنة بقوة على احتمالية قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة قريبًا.
بعد نشر تقرير الثلاثاء، قدرت الأسواق احتمال خفض سعر الفائدة في يناير بنسبة تصل إلى 20% فقط. وينصب التركيز الآن على بيانات التضخم التي من المقرر صدورها يوم الخميس، والتي قد تقدم إشارات جديدة حول مسار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي.
صرح كريشنا غوها، كبير الاقتصاديين في “إيفركور آي إس آي”، بأن التقرير يوحي بنظرة إيجابية إلى سوق العمل، وأضاف أنه يعتقد أن الاحتياطي الفيدرالي سينظر إلى البيانات بنفس الطريقة، مؤكدًا أنها ليست قوية بما يكفي لتحفيز خفض جديد للفائدة في الوقت الحالي.
ووفقًا للتقرير، ارتفعت الوظائف غير الزراعية بمقدار 64 ألف وظيفة في نوفمبر، بعد انخفاضها بمقدار 105 آلاف وظيفة في أكتوبر، بسبب انكماش التوظيف في القطاع الفيدرالي. بينما ارتفع معدل البطالة إلى 4.6% الشهر الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2021.
تحليلات إضافية حول أداء سوق العمل
أشار محللا “إيه إن زي غروب هولدينغز”، بريان مارتن ودانيال هاينز، إلى أنه على الرغم من ضعف البيانات، إلا أنه يجب التعامل معها بحذر في ظل الظروف الاستثنائية التي شهدتها الولايات المتحدة بسبب الإغلاق الحكومي. وأضافا أن الغموض بشأن التوقيت المثالي للخطوة التالية للاحتياطي الفيدرالي لن يتبدد حتى تستقر البيانات في العام المقبل.
وكشف تقرير آخر صدر يوم الثلاثاء عن استقرار مبيعات التجزئة الأمريكية في أكتوبر، حيث عوض الانخفاض في مبيعات السيارات وضعف إيرادات البنزين الزيادة في الإنفاق على فئات أخرى. كما أظهرت بيانات “إس آند بي غلوبال” تباطؤًا في نمو النشاط التجاري في الولايات المتحدة خلال شهر ديسمبر، في حين ارتفع مؤشر أسعار المدخلات إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من ثلاث سنوات.
السندات والعملات وتصعيد التوترات التجارية
في الأسواق الأخرى، شهدت سندات الخزانة الأمريكية انخفاضًا، مما أدى إلى ارتفاع عوائد السندات لأجل 10 سنوات بنقطة أساس واحدة لتصل إلى 4.16%. وظلت حركة تداول الدولار مستقرة نسبيًا مقابل العملات الرئيسية، مع استمرار توقعات الأسواق بخفض سعر الفائدة الأمريكية بمقدار ربع نقطة مئوية مرتين العام المقبل.
وقال ريتشارد فرانولوفيتش، كبير استراتيجيي العملات في “ويستباك بانكينغ”، إن الدولار يواجه تحديات كبيرة، مشيرًا إلى أن سوق العمل لم يشهد انهيارًا كاملاً ولا يشير إلى ركود حاد، ولكنه لا يزال يعاني من الضعف.
وفي سياق متصل، هددت إدارة ترمب بالرد على الاتحاد الأوروبي بسبب مساعيه لفرض ضرائب على شركات التكنولوجيا الأمريكية، مشيرة إلى إمكانية فرض إجراءات أو رسوم جديدة تستهدف شركات كبرى مثل “أكسنتشر” و”سيمنز” و”سبوتيفاي”. كما قام ترمب بتصعيد الضغوط على فنزويلا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط بعد أن سجلت أدنى مستوياتها منذ عام 2021. وقد صنف ترمب نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو كـ”منظمة إرهابية أجنبية”.
من المتوقع أن تشهد الأسواق المالية المزيد من التقلبات في الأيام القليلة القادمة، مع ترقب المستثمرين لبيانات التضخم الأمريكية يوم الخميس. ستقدم هذه البيانات نظرة أوضح حول مسار التضخم، مما قد يؤثر على قرارات الاحتياطي الفيدرالي بشأن السياسة النقدية وأسعار الفائدة. بالإضافة إلى ذلك، يجب مراقبة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتطورات الأوضاع في فنزويلا، حيث يمكن أن تؤثر هذه العوامل على أداء الأسواق العالمية.
