هبط سعر خام “غرب تكساس” الوسيط إلى أقل من 55 دولارًا للبرميل، مسجلاً أدنى مستوى له منذ فبراير 2021، وذلك في ظل تزايد المخاوف من أن المعروض من النفط يتجاوز الطلب العالمي. يأتي هذا الانخفاض بالتزامن مع التقدم المحرز في محادثات السلام الأوكرانية، مما يثير احتمال عودة المزيد من النفط الروسي إلى الأسواق العالمية. هذا التطور يؤثر بشكل كبير على أسعار النفط ويضع ضغوطًا على المنتجين.
أنهى عقد النفط الأمريكي (غرب تكساس الوسيط) تعاملاته بانخفاض قدره 2.7% ليستقر عند 55.27 دولارًا للبرميل، بعد أن قلص بعضًا من خسائره الأولية. كما انخفض خام “برنت”، المعيار العالمي لتسعير النفط، بنسبة مماثلة، ليغلق عند 58.92 دولارًا للبرميل. يعكس هذا الانخفاض حالة من عدم اليقين في السوق.
تزايد مؤشرات ضعف سوق النفط
بدأت تظهر علامات ضعف واضحة في سوق النفط، حيث دخلت أسعار الخام في الشرق الأوسط في حالة “كونتانغو”. تشير هذه الحالة إلى أن أسعار العقود الآجلة أعلى من الأسعار الفورية، مما يعكس توقعات بضعف الطلب في المستقبل القريب.
وقد لوحظت هذه الظاهرة أيضًا في بعض شحنات النفط المباعة على ساحل خليج أمريكا، حيث أصبحت أسعار العقود قصيرة الأجل أقل من تلك المخصصة للتسليم في فترات لاحقة. هذا يعزز فكرة أن المستثمرين يتوقعون انخفاضًا في الأسعار.
وعلى صعيد الطلب، يبدو الوضع هشًا أيضًا. فقد تراجعت الأرباح المرتفعة على منتجات الوقود مثل البنزين والديزل مقارنة بسعر النفط الخام، وهو ما كان يدعم الأسعار في الشهر الماضي.
تأثير النمو الاقتصادي على الطلب
بالإضافة إلى ذلك، أشار تباطؤ نمو الوظائف في الولايات المتحدة إلى احتمال انخفاض الطلب على النفط في أكبر اقتصاد في العالم، مما زاد من الضغوط الهبوطية على الأسعار.
فائض متوقع في المعروض من النفط
تشير التقديرات إلى أن سوق النفط يتجه نحو تسجيل خسارة سنوية، مع توقعات بتجاوز المعروض للطلب خلال العام الحالي والعام المقبل. يعزى هذا الفائض إلى زيادة الإنتاج من قبل دول أوبك وعدد من الدول الأخرى المنتجة للنفط في الأمريكتين. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يكون الفائض في العام المقبل هو الأكبر على الإطلاق.
صرح بيارنه شيلدروب، كبير محللي السلع في بنك “إس إي بي”، بأن الأنظار الآن تتجه نحو مدى قدرة خام “برنت” على الاستقرار دون مستوى 60 دولارًا. وأضاف أن الأسعار قد تشهد مزيدًا من الانخفاض ما لم يتحول تحالف أوبك+ من سياسة تجميد زيادات الإنتاج إلى سياسة خفض الإنتاج.
الآثار المترتبة على التضخم والسياسات النقدية
من شأن هذا الانخفاض في أسعار النفط أن يوفر بعض الراحة لصناع السياسات النقدية الذين يسعون إلى خفض أسعار الفائدة في العام المقبل، وذلك من خلال تخفيف الضغوط التضخمية. وقد شهدت أسعار البنزين في محطات التجزئة الأمريكية انخفاضًا إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2021 في وقت سابق من هذا الشهر.
ومع ذلك، يمثل هذا الهبوط تهديدًا لموازنات الدول والشركات المنتجة للنفط، حيث تحتاج العديد من الدول الأعضاء في أوبك إلى أسعار أعلى بكثير لتحقيق التوازن في موازناتها.
“أي تعافٍ محتمل سيعتمد على تحسن الطلب، أو وضوح أكبر في قيود المعروض. غير أن موجة البيع تسارعت هذا الشهر مع تزايد الأدلة على أن المعروض يفوق الطلب”.
نور العلي، محللة الأسواق في “بلومبرغ ماركتس لايف”
تطورات محادثات إنهاء الحرب الأوكرانية
تفاقم الانخفاض في أسعار النفط في الأيام الأخيرة بسبب احتمال التوصل إلى حل للصراع في أوكرانيا. أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لجعل الضمانات الأمنية ملزمة قانونيًا من خلال تصويت في الكونغرس، كجزء من صفقة شاملة لإنهاء الحرب التي تشنها روسيا.
وعقد فريقه يومًا ثانيًا من المحادثات في برلين، استمر لمدة خمس ساعات تقريبًا، بمشاركة المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الجهود الأمريكية الجديدة ستكون كافية للتغلب على العقبات التي أعاقت المحادثات السابقة، حيث لم يبدِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي استعداد للتراجع عن مطالبه بالسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي.
من المتوقع أن تستمر أسعار النفط في التقلب خلال الأسابيع القادمة، مع ترقب المستثمرين لتطورات محادثات السلام الأوكرانية، وبيانات الإنتاج من أوبك والدول الأخرى، ومؤشرات النمو الاقتصادي العالمي. سيكون اجتماع أوبك+ القادم حاسمًا في تحديد ما إذا كانت المنظمة ستتدخل لتقليل المعروض ودعم الأسعار.
