واصل بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) تعزيز احتياطياته من الذهب للشهر الثالث عشر على التوالي، مما يعكس اتجاهاً عالمياً متزايداً نحو تنويع الاحتياطيات النقدية وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. ووفقاً لبيانات رسمية صدرت الأحد، ارتفعت حيازة البنك المركزي الصيني من الذهب بنحو 30 ألف أونصة خلال الشهر الماضي، لتصل إلى حوالي 74.12 مليون أونصة. يأتي هذا في وقت يشهد فيه سعر الذهب تقلبات مع توقعات بتخفيضات في أسعار الفائدة.
يحدث هذا التطور في ظل تماسك سعر الذهب فوق مستوى 4000 دولار للأونصة، على الرغم من تراجعه عن الذروة التي سجلها في أكتوبر. ويُتوقع أن يحقق الذهب أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979، مدفوعاً بتوقعات خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة في اجتماعه القادم في ديسمبر. تساهم هذه العوامل في زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن.
تزايد مشتريات الذهب عالمياً
لا يقتصر الأمر على الصين، بل تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن البنوك المركزية حول العالم كثفت مشترياتها من الذهب في أكتوبر بعد فترة من الهدوء النسبي. يعكس هذا التحول رغبة متزايدة في تنويع الاحتياطيات وتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على عملة واحدة، خاصةً في ظل التوترات الجيوسياسية.
أسباب زيادة الطلب على الذهب
بدأت مشتريات القطاع الرسمي في الارتفاع بشكل ملحوظ بعد غزو روسيا لأوكرانيا وتجميد أصولها من الاحتياطيات الأجنبية. أظهرت هذه الأحداث أن الأصول المقومة بالدولار يمكن أن تكون عرضة للتجميد أو المصادرة، مما دفع البنوك المركزية إلى البحث عن بدائل أكثر أماناً.
بالإضافة إلى ذلك، يرى بعض المحللين أن ارتفاع التضخم العالمي وعدم اليقين الاقتصادي يدفعان البنوك المركزية إلى زيادة حيازتها من الذهب كتحوط ضد تآكل قيمة العملات الورقية. يعتبر الذهب تقليدياً مخزناً للقيمة يحافظ على قوته الشرائية على المدى الطويل.
ومع ذلك، يجب ملاحظة أن أسعار الذهب تتأثر أيضاً بعوامل أخرى مثل أسعار الفائدة، وقوة الدولار الأمريكي، والطلب من المستثمرين الأفراد. تفاعل هذه العوامل يجعل من الصعب التنبؤ بدقة بمسار أسعار الذهب في المستقبل.
دور الصين المتنامي في سوق الذهب
لا يقتصر دور الصين على زيادة احتياطياتها من الذهب، بل تسعى أيضاً إلى تعزيز نفوذها في سوق الذهب العالمية. يقدم بنك الشعب الصيني عروضاً للبنوك المركزية الأخرى لتخزين ذهبها داخل الصين، في إطار مساعيه لتوسيع نطاق تأثيره المالي.
وقد استجابت بعض الدول بالفعل لهذه العروض، مثل كمبوديا، مما يشير إلى أن الصين تنجح في جذب البنوك المركزية الأخرى إلى نظامها المالي. يعزز هذا التوجه مكانة الصين كلاعب رئيسي في سوق الذهب العالمية.
تأثيرات محتملة على النظام المالي العالمي
قد يؤدي زيادة حيازة البنوك المركزية للذهب إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية. إذا استمر هذا الاتجاه، فقد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في النظام المالي العالمي، بما في ذلك انخفاض قيمة الدولار وزيادة أهمية العملات الأخرى.
في المقابل، قد يؤدي زيادة الطلب على الذهب إلى ارتفاع أسعاره، مما قد يفيد الدول المنتجة للذهب. ومع ذلك، قد يؤثر ارتفاع الأسعار أيضاً على الطلب من المستهلكين والمستثمرين، مما قد يؤدي إلى تقلبات في السوق.
تعتبر الاحتياطيات من الذهب أداة مهمة في إدارة السياسة النقدية، حيث يمكن استخدامها لتعزيز الثقة في العملة الوطنية أو للتدخل في أسواق الصرف الأجنبي. تساعد هذه الاحتياطيات أيضاً في حماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية.
بالإضافة إلى الذهب، تتجه البنوك المركزية إلى تنويع احتياطياتها لتشمل أصولاً أخرى مثل اليوان الصيني والعملات الرقمية. يعكس هذا التوجه رغبة في تقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على عدد قليل من العملات.
من المتوقع أن يستمر بنك الشعب الصيني في زيادة احتياطياته من الذهب في الأشهر المقبلة، مع مراقبة التطورات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية. سيكون من المهم أيضاً متابعة قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة، حيث أن هذه القرارات يمكن أن تؤثر بشكل كبير على أسعار الذهب. ستكون بيانات التضخم الأمريكية القادمة حاسمة في تحديد مسار السياسة النقدية للفيدرالي.
