رغم صعود مراكز التسوق الحديثة وتنامي هيمنة التجارة الإلكترونية، ما زالت الأسواق الشعبية في السعودية تحتفظ بقدرتها على الجذب، إذ تمثل مزيجا يجمع بين التجارة والتقاليد والموروث الثقافي بروح الاقتصاد السعودي.

وزارة التجارة السعودية قالت لـ”الاقتصادية”، إن عدد السجلات التجارية للأسواق المركزية غير الغذائية ما يعرف اصطلاحا بـ – الأسواق الشعبية – ارتفعت 72% خلال عام واحد فقط، من 1223 سجلا في 2023 إلى 2111 سجلا بنهاية 2024.

هذا النمو السريع يظهر تغيرا في سلوك المستهلك السعودي، الذي أصبح يبحث عن الأسعار المرنة والمنتجات التقليدية التي لا يجدها في المراكز التجارية الحديثة.

تتصدر الرياض القائمة بـ 778 سجلا (37% من السوق)، تليها مكة المكرمة بـ621 سجلا (29%)، ما يظهر طبيعة المدن ذات الكثافة السكانية العالية، حيث يجتمع الزائرون والمستهلكون والسياح، ليجدوا في هذه الأسواق مساحة بديلة عن المولات الفاخرة، وخيارات أكثر تنوعا من الملابس والإكسسوارات إلى المستلزمات المنزلية والتحف.وهو ما يُظهر توجهًا متسارعًا نحو استثمارات التجزئة المتخصصة بعيدًا عن قطاع الأغذية التقليدي.
أسباب نمو الأسواق الشعبية

الخبير الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة قال لـ”الاقتصادية”، إن “نمو هذا النوع من التجزئة يعود إلى عدة عوامل، أبرزها انخفاض التكاليف التشغيلية مقارنة بالمولات؛ إذ لا تتطلب الأسواق الشعبية استثمارات مرتفعة في التصميم أو الديكور أو المساحة أو الإيجارات”.

وأضاف “كما توفر منتجات بأسعار تقل في المتوسط عن نظيراتها في المراكز التجارية، فضلًا عن تنوعها الكبير في المنتجات والسلع مثل الملابس، التحف، المستلزمات المنزلية، والمنتجات التقليدية التي يصعب إيجادها في المتاجر العصرية”.

وهو ما يتفق ويؤكده المستثمر وليد العماري، موضحا أن تلك الأسواق تتيح بيئة تشغيل منخفضة التكاليف، وهو ما يبحث عنه رجال الأعمال خصوصا الرواد منهم وتستقطب شرائح واسعة من المستهلكين متوسطي ومحدودي الدخل، إضافة إلى السياح.

وقال لـ”الاقتصادية”، “مثلا، سوق باب مكة والجنوب وأيضا الصواريخ في جدة، الذي يُعد من أكبر الأسواق في السعودية، تستقبل المئات سنويًا من الزوار وكلها توفر خيارات من البضائع والسلع وبأسعار مغرية. وكل هذا يوفر زخما ونموا في قطاع التجزئة ويتقاطع مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تركز على تنويع الاقتصاد وتنشيط قطاع التجزئة، ودعم ريادة الأعمال.جزء من المشهد الاقتصادي والثقافي والسياحي

رئيس لجنة التسويق والإعلام بغرفة مكة المكرمة وائل الطيب، يرى أن الأسواق الشعبية أو المراكز التجارية المتخصصة لم تعد مجرد مواقع للبيع والشراء كما كانت في الماضي، بل أصبحت اليوم جزءًا من المشهد الاقتصادي والثقافي والسياحي للسعودية، خصوصًا مع نمو الطلب على تجارب ثرية تُبرز هوية المكان وتقدم قيمة مضافة للمستهلك والسائح في آن واحد.

قال لـ”الاقتصادية”: هذا التحول يفتح الباب أمام رواد الأعمال والجهات التنظيمية لتبني نماذج جديدة تحقق الربح المباشر وغير المباشر، وتدعم استدامة هذه الأسواق كوجهات حيوية، ولهذا، فإن إدخال مرافق إثرائية متخصصة داخلها، يحولها من مجرد مكان تسوق إلى رحلة ثقافية وترفيهية، فسوق البن مثلًا يمكن أن يستضيف متحفًا للقهوة، وسوق السجاد قد يضم مجلسًا يحكي تاريخ المهنة وصناعتها.

أشار إلى أن لكل متجر في الأسواق الشعبية إرثاً وتجربة تجارية عميقة، لذلك لابد من استثمار هذا الإرث عبر نقل الخبرات الحرفية والتجارية إلى الأجيال القادمة، ليمنح المجتمع فرصة للانخراط في أنشطة السوق بشكل أكبر، بما يعزز مكانتها كمنصات اقتصادية وسياحية.

شاركها.