شهدت أسعار الفضة ارتفاعاً حاداً لليوم الرابع على التوالي، مدفوعةً بتدفقات استثمارية كبيرة إلى صناديق المؤشرات المتداولة، ومتابعة الزخم التصاعدي، وتشديد المعروض الفعلي في الأسواق. هذا الارتفاع القوي دفع سعر المعدن الأبيض نحو تسجيل أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979، مما أثار اهتمام المستثمرين والمحللين على حد سواء.
ارتفع سعر الفضة إلى مستوى قياسي جديد متجاوزاً 64 دولاراً للأونصة في تعاملات صباح الجمعة، وسط تقلبات ملحوظة في الأسعار. وقد حققت الفضة مكاسب أسبوعية تقارب 10%، مدعومة بتوقعات بتخفيف السياسة النقدية من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بعد أن قام الأخير بتخفيض أسعار الفائدة وأشار إلى بوادر ضعف في سوق العمل.
صعود أسعار الفضة: عوامل متعددة تدعم الزخم
يرى معظم المحللين أن الارتفاع الحالي في أسعار الفضة لا يمكن نسبته إلى عامل واحد محدد، بل هو نتيجة لتضافر عدة عوامل. فزيادة الأسعار قد تغذي المزيد من الصعود، حيث ينجذب المستثمرون الأفراد ومتداولو الزخم إلى هذا المعدن المعروف بتقلباته العالية. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر أسعار الفائدة المنخفضة عاملاً داعماً للمعادن النفيسة التي لا تدر عائداً مثل الفضة.
وتشير البيانات إلى أن تدفقات صناديق المؤشرات المتداولة تلعب دوراً محورياً في هذا الارتفاع، حيث أضافت هذه الصناديق 35 مليون أونصة من الفضة خلال الشهر الماضي، وفقاً لحسابات وكالة بلومبرغ. كما أن تراجع معدل الذهب إلى الفضة، وهو مقياس يستخدمه المتداولون لتقييم القيمة النسبية للمعدن الأبيض، إلى أدنى مستوى له منذ عام 2021، يعكس أيضاً قوة الطلب على الفضة.
اختناق سوق الفضة في لندن وتأثير التحقيقات الأمريكية
يأتي هذا الصعود بعد فترة وجيزة من دخول سوق الفضة في لندن في حالة اختناق، حيث انخفضت المخزونات المتاحة إلى مستويات حرجة نتيجة لتدفقات صناديق المؤشرات والصادرات إلى الهند. على الرغم من تدفقات الفضة إلى خزائن لندن مؤخراً، إلا أن جزءاً كبيراً من المعروض العالمي لا يزال متمركزاً في نيويورك، في انتظار نتائج تحقيق القسم 232 في الولايات المتحدة، والذي قد يؤدي إلى فرض رسوم جمركية أو قيود تجارية على المعدن.
وحذر دانيال غالي من شركة “تي دي سيكيوريتيز” من أن الوضع الحالي يحمل مخاطر متزايدة، متوقعاً ألا يتم فرض رسوم على الفضة، مما قد يعيد ديناميكيات السيولة إلى طبيعتها ويؤدي إلى انخفاض حاد في الأسعار. ويراقب المستثمرون عن كثب تطورات هذا التحقيق، حيث أن أي قرار بشأن الرسوم الجمركية قد يكون له تأثير كبير على أسعار الفضة.
عقود الفضة الآجلة وخيارات الشراء
تشير مستويات شراء عقود خيار الشراء، سواء على عقود الفضة الآجلة أو على صناديق المؤشرات المتداولة، إلى مستوى عالٍ من التفاؤل بين المستثمرين. تمنح هذه العقود الحق في شراء الأصل عند سعر محدد مسبقاً، وتعتبر وسيلة منخفضة الكلفة للمراهنة على ارتفاع الأسعار. ففي صندوق “آي شيرز سيلفر تراست”، أكبر صندوق مؤشرات متداول للفضة، بلغ إجمالي الفائدة المفتوحة لعقود خيار الشراء أعلى مستوى له منذ عام 2020 هذا الأسبوع.
وأشار إدوارد ستيرنبرغ، رئيس خيارات المعادن في شركة “أوبتيفر هولدنغ”، إلى وجود اهتمام صعودي كبير في خيارات كل من عقود بورصة شيكاغو التجارية وصندوق SLV، مرجحاً أن هذا الاهتمام يدفع أسعار الفضة أكثر من عمليات تغطية المراكز المكشوفة. وأضاف أن شراء خيارات الشراء جاء على الأرجح من المستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء، مع نقص ملحوظ في الاهتمام بخيارات البيع.
نظرة مستقبلية لأسعار الفضة
على الرغم من أن حركة الأسعار على المدى القصير قد تكون “مفرطة”، إلا أن النظرة الأساسية على المدى الطويل تظل إيجابية، بحسب كارستن فريتسش، محلل السلع في بنك “كومرتس بنك”. فقد أشار تقرير صادر عن “معهد الفضة” إلى نمو الاستهلاك في التطبيقات الصناعية، متوقعاً ارتفاعاً حاداً في الطلب على الخلايا الشمسية والمركبات الكهربائية. ومع ذلك، حذر غالي من أن الارتفاع الحاد في أسعار الفضة قد يؤثر سلباً على الطلب الصناعي، حيث أن المعدن الأبيض يشكل الآن نسبة كبيرة من تكلفة إنتاج الخلايا الكهروضوئية.
صعد سعر الفضة بنسبة 120% هذا العام، متجاوزاً مكاسب الذهب التي بلغت 65%. في الوقت الحالي، يتوقع المراقبون استمرار تقلبات الأسعار في المدى القصير، مع التركيز على نتائج تحقيق القسم 232 في الولايات المتحدة وتطورات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. وستظل أسعار المعادن النفيسة، بما في ذلك الفضة، حساسة للتغيرات في أسعار الفائدة والتضخم والتوترات الجيوسياسية.
