تراجعت أسعار الفضة مؤخرًا بعد تسجيلها ارتفاعًا تاريخيًا، وسط تزايد التوقعات بتهدئة الأزمة التي تشهدها الأسواق في لندن. وشهدت الفضة انخفاضًا في الأسعار الفورية بنسبة 1.6% بعد أن وصلت إلى 53.55 دولارًا للأونصة، متجاوزةً أعلى مستوى لها المسجل في يناير 1980، والذي تم إلغاؤه لاحقًا، وذلك بعد محاولة الأخوان هانت السيطرة على السوق. يعكس هذا التقلب حالة من عدم اليقين في سوق المعادن الثمينة.

أزمة السيولة في لندن تدفع أسعار الفضة إلى الارتفاع

أثارت مخاوف من نقص السيولة في سوق لندن اهتمامًا عالميًا بـالفضة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار المرجعية بشكل ملحوظ مقارنة بمستوياتها في نيويورك. وقد أجبر هذا الوضع بعض المتعاملين على اللجوء إلى خيارات شحن جوي لنقل سبائك الفضة عبر المحيط الأطلسي، وهو إجراء مكلف عادةً ما يقتصر على الذهب، بهدف الاستفادة من الأسعار المرتفعة في لندن.

انخفضت العلاوة السعرية للفضة في بداية تداولات الثلاثاء إلى 1.55 دولار للأونصة، مقارنة بفارق بلغ 3 دولارات في الأسبوع الماضي. كما ارتفعت معدلات تأجير الفضة، وهي التكلفة السنوية لاقتراضها في السوق اللندنية، بأكثر من 30% على أساس شهري في نهاية الأسبوع الماضي، لتصل إلى مستويات قياسية هذا العام، مما أثقل كاهل أولئك الذين يسعون لتجديد صفقات البيع على المكشوف.

زيادة الطلب من الهند وتأثيره على السوق

ساهم الطلب المتزايد من الهند في الأسابيع الأخيرة في استنزاف المعروض من سبائك الفضة القابلة للتداول في لندن، بعد تحويل كميات كبيرة من الشحنات إلى نيويورك في وقت سابق من هذا العام. جاء هذا التحويل مدفوعًا بالقلق من إمكانية فرض رسوم جمركية أمريكية على الفضة، مما تسبب في اضطرابات كبيرة بين المراكز التجارية الرئيسية.

تحقيق أمريكي يثير المخاوف بشأن الرسوم الجمركية

على الرغم من استثناء المعادن الثمينة رسميًا من الرسوم الجمركية في أبريل الماضي، إلا أن المتعاملين في السوق لا يزالون يشعرون بالقلق في انتظار نتائج التحقيق الذي تجريه الإدارة الأمريكية بموجب المادة 232 بشأن “المعادن الحيوية”، والذي يشمل الفضة، بالإضافة إلى البلاتين والبلاديوم. يثير هذا التحقيق مجددًا مخاوف من احتمال فرض رسوم جديدة على هذه المعادن، مما قد يؤدي إلى تفاقم أزمة نقص المعروض.

أشار محللو “غولدمان ساكس غروب” في مذكرة حديثة إلى أن سوق الفضة أصغر حجمًا وأقل سيولة بكثير من سوق الذهب، حيث يبلغ حجمه حوالي تسع أجزاء فقط من حجم سوق الذهب، مما يجعل تحركات الأسعار أكثر حدة وتأثرًا بالعوامل الخارجية. وأضافوا أن غياب الطلب من البنوك المركزية لدعم أسعار الفضة يجعلها عرضة لتصحيحات حادة في حالة تراجع تدفقات الاستثمار.

صعود المعادن الثمينة وعوامل الدعم

شهدت المعادن الثمينة الأربعة الرئيسية – الذهب والفضة والبلاتين والبلاديوم – ارتفاعًا ملحوظًا يتراوح بين 56% و81% منذ بداية العام، مما يعكس قوة الأداء في أسواق السلع بشكل عام. ويعزى صعود الذهب إلى عمليات الشراء من قبل البنوك المركزية، وزيادة الاستثمارات في صناديق الاستثمار المتداولة، وتخفيضات أسعار الفائدة التي قام بها مجلس الاحتياطي الفيدرالي. إضافة إلى ذلك، ساهمت التوترات الجيوسياسية، والتهديدات التي تواجه استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، والانقسام السياسي في الولايات المتحدة في تعزيز الطلب على المعادن كملاذ آمن للاستثمار.

رفع محللو “بنك أوف أميركا” مؤخرًا هدفهم السعري لـالفضة بحلول نهاية عام 2026 من حوالي 44 دولارًا للأونصة إلى 65 دولارًا، استنادًا إلى توقعات باستمرار العجز في السوق، وتوسع العجز المالي، وانخفاض أسعار الفائدة. يتماشى هذا التقييم مع التوجه العام نحو الاستثمار في المعادن الثمينة كتحوط ضد التضخم وعدم اليقين الاقتصادي.

في الوقت الحالي، يراقب المستثمرون عن كثب مسار التيسير النقدي الذي يتبعه الاحتياطي الفيدرالي، وذلك قبيل اجتماعه القادم المقرر في وقت لاحق من هذا الشهر لمناقشة أسعار الفائدة. وصرحت آنا بولسون، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، بأنها تدعم مزيدًا من الخفض في أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية مرتين هذا العام، مؤكدة على ضرورة أن تتجاهل السياسة النقدية تأثير الرسوم الجمركية على ارتفاع أسعار المستهلكين.

ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.5% ليصل إلى 4129.26 دولارًا للأونصة في الساعة 11:15 صباحًا بالتوقيت المحلي لمدينة لندن، بعد أن بلغ في وقت سابق ذروة تاريخية عند 4179 دولارًا للأونصة. وارتفع مؤشر “بلومبرغ” للدولار بنسبة 0.2%، مواصلًا مكاسبه للأسبوع الماضي، كما سجل البلاتين والبلاديوم ارتفاعات ملحوظة.

من المتوقع أن تستمر أسعار المعادن الثمينة في التذبذب في المدى القصير، حيث يعتمد مسارها على مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك قرارات السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، وتطورات التحقيق الأمريكي بشأن الرسوم الجمركية، والطلب الفعلي من الأسواق الرئيسية مثل الهند والصين. يبقى تقييم المخاطر والفرص في هذا السوق الحيوي أمرًا حاسمًا للمستثمرين والمتعاملين على حد سواء.

شاركها.