بعد عام شهد تحولات كبيرة في مسارات الشحن وارتفاعاً ملحوظاً في التكاليف بسبب الأزمات الجيوسياسية واضطرابات البحر الأحمر، تستعد التجارة البحرية العالمية لدخول عام 2025 بوتيرة نمو أبطأ بكثير. تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى انخفاض معدل النمو إلى 0.5% فقط في العام المقبل، بعد نمو متواضع بلغ 2.2% في عام 2024، مع توقع استقرار المعدل السنوي حول 2% بين عامي 2026 و 2030. هذا التباطؤ يعكس تحولات أعمق في سلاسل الإمداد العالمية، تتداخل فيها عوامل اقتصادية وسياسية وبيئية.

شهد عام 2024 انتعاشاً جزئياً في حجم الشحن، مدفوعاً بالطلب المرن من الأسواق الآسيوية. ومع ذلك، قيدت التوترات في البحر الأحمر، والقيود المفروضة على قناة بنما، وتصاعد التوترات التجارية بين القوى الكبرى هذا التحسن. أدت إعادة توجيه السفن عبر رأس الرجاء الصالح إلى زيادة كبيرة في مسافات الرحلات، وارتفاع تكاليف النقل، وزيادة استهلاك الوقود، مما أدى إلى نمو وهمي في أميال الشحن لا يعكس قوة حقيقية في التجارة العالمية.

توقعات 2025: تباطؤ النمو العالمي وتراجع الطلب

تتجه التجارة البحرية نحو عام حذر، حيث تشير التوقعات إلى نمو شبه راكد نتيجة لضعف الاستهلاك في الاقتصادات الكبرى، وارتفاع حالة عدم اليقين التجاري، واستمرار المخاطر الجيوسياسية. وتتوقع الأمم المتحدة أن ينمو نقل طن واحد لمسافة ميل واحد بنسبة ضئيلة تبلغ حوالي 0.3% فقط، مما يشير إلى عودة تدريجية محتملة إلى مسارات أقصر في حال تحسن الأوضاع في البحر الأحمر.

ومع ذلك، حتى في حال تحسن الأوضاع الملاحية، يظل الضعف في الطلب العالمي هو العامل الأكثر تأثيراً على حجم الشحن، بدءاً من الصين وصولاً إلى أوروبا والأسواق الناشئة. تتأثر هذه الأسواق بشكل خاص بالظروف الاقتصادية العالمية، مما يؤثر بشكل مباشر على حجم البضائع المنقولة بحراً.

تأثيرات على سلاسل الإمداد

على الرغم من التباطؤ، تشهد خريطة الشحن تحولاً مستمراً، مع نمو التجارة بين آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، بينما يتباطأ النمو على بعض الطرق التجارية التقليدية بين الشرق والغرب. تسعى الشركات أيضاً إلى تنويع مواقع الإنتاج لتقليل الاعتماد على مصدر واحد، مما يخلق شبكات لوجستية أكثر تعقيداً وتكلفة.

الآثار المترتبة على الموانئ والدول النامية

الدول التي تمتلك بنية تحتية قادرة على استيعاب هذه الشبكات المتعددة ستكون في وضع أفضل لجذب التجارة الجديدة، خاصة مع انتقال جزء من التصنيع إلى جنوب آسيا وأفريقيا. هذا التحول يمثل فرصة للدول النامية لتعزيز دورها في سلاسل الإمداد العالمية.

في المقابل، تواجه الدول الأقل تجهيزاً خطر التهميش، حيث أن اضطرابات الممرات البحرية تزيد من تكاليفها بشكل أكبر. هذا يؤدي إلى تفاقم التحديات الاقتصادية التي تواجهها هذه الدول، ويحد من قدرتها على المشاركة في التجارة العالمية.

أهمية الاستثمار في البنية التحتية

الاستثمار في تطوير الموانئ والبنية التحتية اللوجستية أمر بالغ الأهمية لضمان قدرة الدول على التكيف مع هذه التحولات. كما أن تعزيز التعاون الإقليمي وتسهيل التجارة عبر الحدود يمكن أن يساعد في تخفيف آثار التباطؤ في القطاع البحري.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تبني التقنيات الرقمية وأتمتة العمليات يمكن أن يحسن كفاءة سلاسل الإمداد ويقلل من التكاليف. هذه التطورات التكنولوجية يمكن أن تساعد في تعزيز القدرة التنافسية للدول النامية في سوق التجارة العالمية.

في الختام، من المتوقع أن يشهد عام 2025 استمراراً للتحولات في التجارة العالمية، مع التركيز على التكيف مع التحديات الجديدة والاستفادة من الفرص الناشئة. سيكون من المهم مراقبة التطورات الجيوسياسية، والظروف الاقتصادية العالمية، والتقدم في مجال التكنولوجيا لتقييم التأثيرات المحتملة على القطاع البحري. من المتوقع أن يتم تقييم الوضع بشكل كامل في الربع الأول من عام 2026، مع صدور تقرير جديد من الأمم المتحدة يقدم تحليلاً مفصلاً لأداء القطاع.

شاركها.