شهدت الولايات المتحدة الأمريكية زيادة مطردة في عدد المنازل التي تعتمد على ما يُعرف بـ “تأمين الملاذ الأخير” خلال السنوات الخمس الماضية. هذه البرامج، التي تُدار عادةً من خلال خطط “FAIR” (Fair Access to Insurance Requirements)، توفر تغطية للمقيمين الذين يجدون صعوبة في الحصول على تأمين تقليدي بسبب ارتفاع المخاطر المرتبطة بممتلكاتهم، مثل الموقع الجغرافي أو قدم البناء.
تتصاعد الحاجة إلى هذه الخطط بشكل ملحوظ بالتوازي مع تزايد حدة وتواتر الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ. وتهدف خطط الملاذ الأخير إلى سد فجوة التأمين، إلا أنها تواجه تحديات متزايدة في ظل الظروف المناخية المتغيرة.
أزمة متنامية في توفير تأمين المنازل
تُعد خطط “FAIR” بمثابة شبكة أمان، حيث تقدم تغطية أساسية للمنازل غير القادرة على الحصول على حماية من شركات التأمين الخاصة. تعمل هذه الخطط من خلال جمع أقساط التأمين من حاملي الوثائق، بالإضافة إلى مساهمات مالية من شركات التأمين الخاصة العاملة في الولاية. حالياً، تقدم 32 ولاية أمريكية خططاً من هذا النوع.
تُظهر البيانات أن الولايات الأكثر تضرراً من الكوارث الطبيعية في السنوات الأخيرة – كاليفورنيا وتكساس وكارولينا الشمالية وفلوريدا ولويزيانا – تشكل مجتمعة 84٪ من إجمالي مشتركي خطط “تأمين الملاذ الأخير” في عام 2024. وقد شهدت هذه الخطط أعلى مستويات الإقبال في عام 2023، مدفوعة بسلسلة من العواصف والأحداث المناخية المتطرفة.
تغطية محدودة وخطط متنوعة
تختلف شروط تغطية خطط “FAIR” بشكل كبير من ولاية إلى أخرى. على سبيل المثال، تركز خطط كاليفورنيا على تغطية الأضرار الناجمة عن حرائق الغابات، بينما تغطي خطط تكساس وكارولينا الشمالية وفلوريدا الأضرار الناتجة عن الرياح. من المهم ملاحظة أن هذه الخطط لا تغطي عادةً أضرار الفيضانات، والتي يتطلب التأمين عليها الاشتراك في البرنامج الوطني للتأمين ضد الفيضانات.
الضغوط المالية على خطط التأمين
على الرغم من أن خطط “FAIR” مصممة لتكون كيانات غير ربحية، إلا أنها تواجه ضغوطاً مالية متزايدة. وذلك بسبب ارتفاع تكاليف المطالبات، خاصة في المناطق المعرضة للكوارث. ففي عام 2021، تجاوزت مطالبات حاملي وثائق التأمين في لويزيانا أقساط التأمين بأكثر من 1500٪، وذلك بسبب الأضرار الجسيمة التي خلفها إعصار إيدا.
ووفقًا لبيانات القطاع، تكبدت 19 خطة من أصل 32 خطة “FAIR” خسائر خلال العام الماضي. لمواجهة هذا النقص، تتبنى بعض الخطط برامج “تخفيض عدد المشتركين” مثل تلك التي أطلقت في كاليفورنيا ولويزيانا وفلوريدا، والتي تقدم حوافز مالية لشركات التأمين الخاصة لاستيعاب مشتركي “FAIR” الحاليين، إلا أن نجاح هذه البرامج ليس مضموناً.
تفرض خطط “FAIR” أيضاً “تقييماً” على شركات التأمين الخاصة التي تدعمها، بهدف تغطية العجز المالي. على سبيل المثال، فرضت خطة “FAIR” في كاليفورنيا تقييماً قياسياً بقيمة مليار دولار على شركات التأمين، وذلك للمساعدة في الحفاظ على استقرارها المالي بعد حرائق إيتون وباسيفيك باليساديس. غالباً ما يتم تمرير هذه التكاليف الإضافية على المستهلكين من خلال زيادة أقساط التأمين.
ارتفاع أسعار التأمين و البحث عن حلول
بالتوازي مع ضغوط خطط “FAIR”، تشهد أسعار التأمين على المنازل ارتفاعاً ملحوظاً. فقد رفعت شركة “سيتيزنز” (Citizens)، المسؤولة عن تنفيذ خطة “FAIR” في لويزيانا، متوسط أقساط التغطية السكنية بأكثر من 730٪ بين عامي 2019 و 2023. في فلوريدا وكاليفورنيا، ارتفعت الأقساط بنسبة 400٪ خلال نفس الفترة، وفقًا لمعهد المناخ والمجتمع.
ويقارن هذا الارتفاع بمتوسط زيادة بنسبة 23٪ في أقساط التأمين على المنازل في جميع أنحاء الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها. وهذا يشير إلى أن المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية تحمل عبئاً أكبر من حيث تكاليف التأمين.
يرى الخبراء أن الحلول تكمن في تقليل المخاطر المرتبطة بالممتلكات، مما يسمح لشركات التأمين بتقديم أسعار معقولة. يتضمن ذلك إجراء تعديلات بسيطة على المنازل، مثل تركيب نوافذ مقاومة للحريق وصيانة الأسطح بشكل دوري.
بالإضافة إلى ذلك، يجادل البعض بضرورة دعم أقساط الأسر ذات الدخل المنخفض، والتي تعتبر الأكثر عرضة للخسائر في أثناء الكوارث. وذلك لتجنب تفاقم أزمة التأمين المحتملة.
من المتوقع أن تواصل الجهات التنظيمية مراجعة أسعار التأمين وتعديلها، مع الأخذ في الاعتبار مصالح كل من شركات التأمين والمستهلكين. وسيظل مستقبل “تأمين الملاذ الأخير” عرضة للتطورات المتعلقة بتغير المناخ، والقرارات السياسية، والجهود المبذولة لتعزيز مرونة المجتمعات المحلية.
