أعلنت وزارة المالية الكورية الجنوبية عن تجاوز العجز المالي للبلاد مستوى 102 تريليون وون (حوالي 69.4 مليار دولار أمريكي) خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023. يأتي هذا الإعلان في ظل تحديات اقتصادية عالمية وتأثيرها على الإيرادات والنفقات الحكومية. ويعد هذا العجز مؤشرًا على الوضع المالي الحالي لكوريا الجنوبية، ويستدعي مراقبة دقيقة للوضع الاقتصادي.

وفقًا لبيانات وزارة الاقتصاد والمالية، بلغ العجز في الميزان المالي المُدار 102.4 تريليون وون في الفترة من يناير إلى سبتمبر، وهو ثاني أعلى مستوى منذ عام 2020. يعكس هذا الارتفاع في العجز الضغوط المتزايدة على المالية العامة بسبب زيادة الإنفاق الحكومي وتراجع النمو الاقتصادي العالمي.

تحليل العجز المالي الكوري الجنوبي

شهدت الإيرادات الإجمالية نموًا ملحوظًا بنسبة 41.4 تريليون وون مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 480.7 تريليون وون. يعزى هذا النمو بشكل أساسي إلى زيادة الإيرادات الضريبية التي ارتفعت بمقدار 34.3 تريليون وون، لتصل إلى 289.6 تريليون وون. ومع ذلك، لم يكن هذا النمو كافيًا لتعويض الزيادة الكبيرة في النفقات.

في المقابل، ارتفعت النفقات العامة بمقدار 51.9 تريليون وون، لتصل إلى 544.2 تريليون وون. يعكس هذا الارتفاع في الإنفاق الحكومي جهودًا لتعزيز النمو الاقتصادي ودعم الفئات الأكثر تضررًا من التحديات الاقتصادية، بالإضافة إلى الاستثمار في مشاريع البنية التحتية. وتشمل هذه النفقات برامج الرعاية الاجتماعية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، والاستثمارات في قطاع التكنولوجيا.

أسباب ارتفاع العجز

هناك عدة عوامل ساهمت في ارتفاع العجز المالي، بما في ذلك تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وارتفاع أسعار الطاقة، وزيادة تكاليف الاقتراض. بالإضافة إلى ذلك، أدت جائحة كوفيد-19 إلى زيادة الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية والإغاثة الاقتصادية. كما أن التغيرات الديموغرافية، مثل شيخوخة السكان، تزيد من الضغط على نظام الضمان الاجتماعي.

الإنفاق الحكومي كان له دور كبير في زيادة العجز، حيث قامت الحكومة بتنفيذ حزم تحفيز اقتصادي لدعم الاقتصاد المتضرر من الجائحة. كما أن الاستثمارات في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة ساهمت في زيادة الإنفاق العام. ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن هذه الاستثمارات ضرورية لتحقيق النمو المستدام على المدى الطويل.

الضرائب شهدت زيادة ملحوظة، ولكنها لم تكن كافية لتعويض الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي. وتواجه الحكومة تحديًا في تحقيق التوازن بين زيادة الإيرادات الضريبية وتحفيز النمو الاقتصادي. كما أن هناك جدلاً حول ما إذا كانت الزيادة في الضرائب ستؤثر سلبًا على الاستثمار والابتكار.

توقعات مستقبلية وتأثيرات محتملة

توقعت الحكومة في وقت سابق أن يتماشى العجز المالي مع الهدف السنوي المحدد عند 111.6 تريليون وون بحلول نهاية العام. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى أن تحقيق هذا الهدف قد يكون صعبًا، خاصة في ظل استمرار التحديات الاقتصادية العالمية. وتعتمد التوقعات المستقبلية على عدة عوامل، بما في ذلك مسار النمو الاقتصادي، وأسعار الطاقة، وسياسات الحكومة المالية.

قد يؤدي استمرار ارتفاع العجز المالي إلى زيادة الدين العام، مما قد يؤثر سلبًا على التصنيف الائتماني لكوريا الجنوبية. كما قد يحد من قدرة الحكومة على الاستثمار في المجالات الحيوية مثل التعليم والرعاية الصحية. ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن كوريا الجنوبية لديها القدرة على إدارة ديونها العامة بفعالية، نظرًا لاقتصادها القوي ومؤسساتها المالية المتينة.

من المتوقع أن تواصل الحكومة جهودها لتعزيز الإيرادات الضريبية وخفض الإنفاق غير الضروري. كما قد تلجأ إلى إصدار سندات حكومية لتمويل العجز. وستراقب وزارة المالية عن كثب التطورات الاقتصادية العالمية وتعدل سياساتها المالية وفقًا لذلك. ومن المقرر أن تعلن الحكومة عن ميزانية عام 2024 في الأشهر المقبلة، والتي ستحدد أولوياتها المالية للعام القادم.

شاركها.