اتفقت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الحاجة إلى تأجيل التصويت النهائي في البرلمان الأوروبي على اتفاقية التجارة مع ميركوسور، وذلك وفقًا لمصادر مطلعة على المناقشات. يأتي هذا الاتفاق الذي طال انتظاره في وقت يواجه فيه الاتحاد الأوروبي ضغوطًا متزايدة لحماية منتجيه الزراعيين ومعاييره البيئية، مما يثير تساؤلات حول مستقبله وإمكانية إقراره.
ويأتي هذا التأجيل في ظل سعي فرنسا إلى حشد دعم من دول أوروبية أخرى لعرقلة الاتفاق، الذي تم التوصل إليه مع المفوضية الأوروبية بعد سنوات من المفاوضات. ومن المتوقع أن يتم بحث هذا الأمر خلال الاجتماعات القادمة للاتحاد الأوروبي.
ما هو تكتل ميركوسور وأهميته؟
تكتل ميركوسور (Mercado Común del Sur) هو اتحاد اقتصادي يضم دول أمريكا الجنوبية، تأسس في الأصل من قبل البرازيل والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي. انضمت فنزويلا لاحقًا، لكن عضويتها معلقة، كما انضمت بوليفيا مؤخرًا. يُعد ميركوسور رابع أكبر قوة اقتصادية في العالم، ويهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي بين أعضائه.
تاريخ المفاوضات
بدأت المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور في عام 1999، وشهدت توقفات واستئنافًا على مر السنين. تم التوصل إلى اتفاق مبدئي في عام 2019، قبل أن يتم الإعلان عن اتفاق سياسي نهائي في ديسمبر 2024. كان من المقرر إجراء التصويت النهائي على الاتفاق في البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع، لكنه تأجل بناءً على طلب فرنسا وإيطاليا.
مزايا وعيوب اتفاقية التجارة مع ميركوسور
تعتبر اتفاقية التجارة مع ميركوسور بمثابة منطقة تجارة حرة ضخمة، تغطي ما يقرب من 750 مليون شخص وتمثل حوالي خُمس الاقتصاد العالمي. وتشمل المزايا المحتملة للاتحاد الأوروبي إزالة التعريفات الجمركية على 91٪ من الصادرات، بما في ذلك السيارات والآلات والمنتجات الكيميائية والأدوية، بالإضافة إلى الوصول المستقر إلى المواد الخام الحيوية.
في المقابل، سيستفيد تكتل ميركوسور من إزالة التعريفات الجمركية على 92٪ من صادراته إلى الاتحاد الأوروبي، وزيادة كبيرة في وصول المنتجات الزراعية الهامة مثل لحوم الأبقار والدواجن والسكر وفول الصويا إلى السوق الأوروبية. اتفاقية ميركوسور تفتح آفاقًا جديدة للتبادل التجاري بين القارتين.
الخلافات الأوروبية حول اتفاقية ميركوسور
تواجه اتفاقية التجارة مع ميركوسور معارضة قوية من بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا وأيرلندا وبولندا. تتركز هذه الاعتراضات حول المخاوف المتعلقة بالمنافسة غير العادلة للمنتجات الزراعية الأوروبية، حيث يخشى المزارعون من تدفق كميات كبيرة من المنتجات الرخيصة من أمريكا اللاتينية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق بشأن تفاوت المعايير بين الجانبين. فالمنتجات القادمة من ميركوسور غالبًا ما تُنتج بمعايير أقل صرامة فيما يتعلق برعاية الحيوان واستخدام المبيدات الحشرية المحظورة في أوروبا والقواعد البيئية. وتطالب الدول المعارضة بإدراج “بنود مرآة” في الاتفاقية، تلزم المنتجات المستوردة بالامتثال للمعايير الأوروبية الصارمة نفسها.
المخاوف البيئية وإزالة الغابات
تثير اتفاقية ميركوسور أيضًا مخاوف بيئية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بإزالة الغابات في مناطق مثل غابات الأمازون. يعتقد الكثيرون أن فتح الأسواق أمام المنتجات الزراعية من أمريكا الجنوبية سيؤدي إلى زيادة الطلب على الأراضي، وبالتالي إلى مزيد من إزالة الغابات لإنشاء مساحات جديدة للرعي والزراعة. هذه القضية تزيد من تعقيد الموقف وتثير جدلاً واسعًا.
يرى المعارضون أن الاتفاقية قد تضحي بمصالح المزارعين الأوروبيين وبالمعايير البيئية لصالح المصالح الصناعية، خاصة تلك التي تسعى إلى توسيع صادراتها إلى أمريكا الجنوبية، مثل ألمانيا.
في الوقت الحالي، من غير الواضح متى سيتم إعادة طرح اتفاقية التجارة مع ميركوسور للتصويت في البرلمان الأوروبي. سيعتمد ذلك على قدرة المفوضية الأوروبية على معالجة المخاوف التي أثارتها الدول المعارضة، وعلى التوصل إلى حلول مقبولة لجميع الأطراف. من المتوقع أن تستمر المناقشات في الأسابيع القادمة، مع التركيز على إيجاد توازن بين المصالح التجارية والزراعية والبيئية.
