قدّم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطة سلام شاملة من 20 بنداً للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائهما في فلوريدا، في محاولة لإنهاء الصراع المستمر مع روسيا بعد أكثر من ثلاث سنوات من القتال. وتعتبر هذه الخطة، التي كشف عنها زيلينسكي هذا الأسبوع، الإطار الأكثر واقعية حتى الآن للتوصل إلى حل، حيث تم تعديلها من مسودة أولية ضمت 28 بنداً. وتسعى الخطة إلى تحقيق سلام دائم ومستقر في أوكرانيا، مع التركيز على الضمانات الأمنية وإعادة الإعمار الاقتصادي.

تأتي هذه المبادرة في ظل ضغوط متزايدة على كلا الطرفين لإيجاد حل سياسي للصراع، بالإضافة إلى الإرهاق الاقتصادي والعسكري العالمي المتزايد. كما أن عودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية تضيف بعداً جديداً للمفاوضات، نظراً لمواقفه السابقة تجاه الصراع الأوكراني.

خطة السلام الأوكرانية: نحو حل شامل للصراع

تستند خطة السلام إلى عدة مبادئ أساسية، أبرزها إعادة التأكيد على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. وتتضمن الخطة أيضاً اتفاقاً واضحاً وغير مشروط بعدم الاعتداء بين أوكرانيا وروسيا، مدعوماً بآلية مراقبة متطورة تعتمد على التكنولوجيا غير المأهولة لرصد أي خروقات محتملة. وتهدف هذه الآلية إلى منع أي تصعيد مستقبلي للصراع.

الضمانات الأمنية والردع العسكري

تسعى أوكرانيا إلى الحصول على ضمانات أمنية قوية من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والدول الأوروبية، على غرار المادة الخامسة من ميثاق الناتو، دون أن تكون عضواً رسمياً في الحلف في الوقت الحالي. وتعتبر كييف هذه الضمانات ضرورية لضمان أمنها واستقرارها على المدى الطويل.

في تحول ملحوظ، ترفض الخطة أي مقترحات لتقليص حجم الجيش الأوكراني، بل تؤكد على الحفاظ عليه عند مستواه الحالي الذي يضم حوالي 800 ألف جندي. وتعتبر أوكرانيا أن الردع العسكري القوي هو شرط أساسي لتحقيق سلام مستدام.

إعادة الإعمار الاقتصادي

تضع الخطة إعادة الإعمار الاقتصادي في صميم عملية السلام، وتقترح إطلاق حزمة تنموية عالمية ضخمة تقدر بنحو 800 مليار دولار. وستخصص هذه الأموال لإعادة بناء المناطق المتضررة من الحرب، ومعالجة القضايا الإنسانية، وتحفيز النمو الاقتصادي في أوكرانيا. وتشمل هذه الحزمة إنشاء صناديق استثمارية متعددة الأطراف.

بالإضافة إلى ذلك، تلتزم أوكرانيا بتسريع المفاوضات بشأن اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن واشنطن تتردد في تقديم امتيازات تجارية لكييف قبل أن تحصل روسيا على شروط مماثلة.

القضايا العالقة: زابوريجيا والأراضي

على الرغم من التقدم المحرز في العديد من المجالات، لا تزال هناك بعض القضايا العالقة التي تتطلب حلاً. تعتبر محطة زابوريجيا النووية، وهي الأكبر في أوروبا، من بين أبرز هذه القضايا. واقترحت الولايات المتحدة إدارة المحطة من خلال كيان مشترك يضم واشنطن وكييف وموسكو، مع دور إداري أمريكي. في المقابل، تفضل أوكرانيا إدارة مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة فقط.

كما أن قضية الأراضي والحدود لا تزال معلقة. تطالب روسيا بانسحاب أوكرانيا من مناطق في دونيتسك لا تزال كييف تسيطر عليها، بينما تصر أوكرانيا على تجميد القتال على خطوط المواجهة الحالية. واقترحت واشنطن إنشاء مناطق منزوعة السلاح ومنطقة اقتصادية حرة في أجزاء من دونيتسك كحل وسط.

الجوانب الإنسانية والسياسية والتنفيذ

تتضمن الخطة أيضاً إنشاء لجنة إنسانية لتسوية ملفات الأسرى والمحتجزين، وإعادة المدنيين والأطفال، وتقديم المساعدة للضحايا. كما تشدد على أهمية احترام حرية الملاحة التجارية في نهر دنيبرو والبحر الأسود، ونزع السلاح من لسان كينبورن الاستراتيجي.

سياسياً، تلتزم أوكرانيا بإجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن بعد توقيع اتفاق السلام. أما فيما يتعلق بالتنفيذ، فيُفترض أن يكون الاتفاق ملزماً قانونياً وخاضعاً لرقابة مجلس سلام يضم أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا والناتو، برئاسة الرئيس ترامب. وسيتم فرض عقوبات على أي طرف ينتهك بنود الاتفاق.

من المتوقع أن يدخل وقف إطلاق النار الشامل حيز التنفيذ فور التوصل إلى اتفاق نهائي. ومع ذلك، يبقى نجاح هذه الخطة مرهوناً بقدرة واشنطن على تحقيق التوازن بين مصالحها ومصالح موسكو، ومدى استعداد روسيا للقبول بتسوية لا تعتمد على الغلبة العسكرية. وستكون المفاوضات القادمة حاسمة في تحديد مستقبل هذه المبادرة ومسار الصراع في أوكرانيا.

شاركها.