كشف تقرير صادر عن وزارة المالية المصرية عن انخفاض في مدفوعات الفوائد الخارجية على الموازنة العامة للدولة بنسبة 5% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام المالي 2026/2025، حيث بلغت 73.9 مليار جنيه مقابل 77.8 مليار جنيه في نفس الفترة من العام السابق. يأتي هذا التراجع في وقت تشهد فيه مصر تحولات في هيكل الديون العامة، مع توجه متزايد نحو الاعتماد على التمويل المحلي لتقليل الأعباء على الاحتياطي الأجنبي. ويرتبط هذا التوجه بسياسات الحكومة المصرية الرامية إلى إدارة المديونية الحكومية.
على الرغم من أن الانخفاض في الفوائد الخارجية يبدو محدودًا، إلا أنه يمثل علامة ملحوظة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. تعتبر الفوائد الخارجية جزءًا كبيرًا من الأعباء على الموازنة العامة، لذا فإن أي تخفيض فيها يساعد في توجيه الموارد نحو أولويات أخرى مثل الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية. تُظهر البيانات الأولية اتجاهًا نحو خفض الاعتماد على الاقتراض من الخارج.
ارتفاع حاد في الفوائد المحلية على الموازنة
في المقابل، شهد إجمالي مدفوعات الفوائد المستحقة على الموازنة زيادة كبيرة بنسبة 54.1% لتصل إلى 899.1 مليار جنيه مقارنة بـ 583.4 مليار جنيه في الفترة نفسها من العام الماضي. يعزى هذا الارتفاع بشكل رئيسي إلى الزيادة الكبيرة في الفوائد المدفوعة على الديون المحلية، سواء للقطاع الخاص أو لجهات حكومية أخرى. هذا التحول يعكس استراتيجية الحكومة في زيادة الاعتماد على التمويل من السوق المحلي.
أسباب زيادة الفوائد المحلية
سجلت مدفوعات الفوائد المحلية للقطاع غير الحكومي وحده 823.1 مليار جنيه، بزيادة قدرها 63.3%. كما ارتفعت الفوائد المسددة لوحدات الحكومة العامة إلى 2.05 مليار جنيه، مقارنة بـ 1.6 مليار جنيه في العام السابق. يعزو المحللون هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، أبرزها رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي المصري بهدف مكافحة التضخم، وزيادة الإقبال من البنوك وصناديق الاستثمار على شراء أدوات الدين الحكومية.
أكد وزير المالية المصري، أحمد كجوك، في تصريحات سابقة أن الحكومة نجحت في خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10% خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى تقليص الدين الخارجي لأجهزة الموازنة بحوالي 4 مليارات دولار. تهدف الحكومة إلى تحقيق مزيد من الانخفاض في الدين العام، يتراوح بين 1 و 2 مليار دولار سنويًا خلال الفترة المقبلة. ويعتبر تحقيق هذا الهدف رئيسيًا في استقرار الاقتصاد الكلي.
وتستفيد الحكومة من التدفقات المالية الإيجابية التي شهدتها البلاد في عامي 2024 و 2025. على رأس هذه التدفقات صفقة رأس الحكمة الاستثمارية، والتي ساهمت في تعزيز الاحتياطي النقدي وتقليل دين أجهزة الموازنة إلى 89% من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى خفض الدين الخارجي بنحو 3 مليارات دولار، وفقًا لبيانات وزارة المالية. تعتبر هذه الصفقة نقطة تحول في جذب الاستثمارات الأجنبية.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تساهم حصيلة صفقة العلمين الجديدة، والتي تقدر بـ 3.5 مليار دولار، في تعزيز المؤشرات المالية وخفض المديونية الحكومية. وقعت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة هذه الصفقة مع شركة الديار القطرية في نوفمبر تشرين الثاني، وهي ثاني أكبر صفقة استثمارية في مصر بعد صفقة رأس الحكمة.
تعتبر إدارة الديون الحكومية تحديًا مستمرًا للحكومة المصرية، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية. تسعى الحكومة إلى تحقيق التوازن بين الاقتراض من الخارج والداخل، مع التركيز على خفض التكلفة الإجمالية للخدمة الدين. كما تولي الحكومة اهتمامًا بتنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتماد على مصدر واحد.
من المتوقع أن تستمر الحكومة في جهودها لخفض الدين العام خلال الفترة المقبلة، من خلال تنفيذ إصلاحات هيكلية في الاقتصاد، وزيادة الإيرادات الضريبية، وترشيد الإنفاق الحكومي. كما ستراقب الحكومة عن كثب تطورات الأوضاع الاقتصادية العالمية وتأثيرها على المديونية الحكومية. وستعتمد نجاح هذه الجهود على استمرار التدفقات الاستثمارية وتحسن الأداء الاقتصادي.
في الختام، تشير التطورات الأخيرة إلى تحول في استراتيجية إدارة الدين في مصر، مع التركيز على التمويل المحلي. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه الحكومة في هذا الصدد، بما في ذلك ارتفاع أسعار الفائدة والضغط على الموازنة العامة. من المهم متابعة تطورات الأوضاع الاقتصادية وتقييم أثر السياسات الحكومية على مستويات الدين العام في الأشهر والسنوات القادمة.
