مع ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 4.6% في نوفمبر، وهو الأعلى في أربع سنوات، يواجه الرئيس السابق دونالد ترامب تحدياً في تصوير الاقتصاد الأمريكي على أنه قوي. وكما هو معتاد، يلجأ ترامب إلى تقديم إحصاءات بديلة ومناقشة أرقام سوق العمل، محاولاً إبراز صورة أكثر إيجابية قد لا تتوافق مع البيانات الرسمية. يثير هذا النهج تساؤلات حول مصداقية الروايات الاقتصادية التي يقدمها، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.

في تجمع انتخابي بولاية كارولاينا الشمالية، زعم ترامب أنه قادر على خفض معدل البطالة بشكل كبير وسريع. وأشار إلى إمكانية إضافة 300 ألف وظيفة “بمكالمة هاتفية واحدة” من خلال توجيه الوكالات الحكومية لتوظيف أفراد سبق وأن فقدوا وظائفهم. هذا التصريح يأتي في وقت يشهد فيه الاقتصاد تباطؤاً ملحوظاً، وتزايداً في عدد الباحثين عن عمل.

تحليل بيانات سوق العمل

ادعى ترامب أنه يستطيع خفض معدل البطالة إلى 2.5% بإعادة توظيف العاملين الفيدراليين السابقين، لكن هذا الرقم يتجاوز بكثير القدرة الفعلية للحكومة. وفقاً للتقديرات، سيتطلب تحقيق هذا الهدف توظيف حوالي 3.5 مليون شخص إضافي، وهو رقم يفوق بكثير إجمالي عدد العاملين في الحكومة الفيدرالية حالياً، والذي يبلغ 2.7 مليون.

حتى إعادة توظيف جميع العاملين الفيدراليين الذين تم تسريحهم هذا العام، والبالغ عددهم 271 ألفاً، لن يؤدي إلا إلى خفض معدل البطالة إلى 4.4% فقط، وفقاً للبيانات المتاحة. للوصول إلى معدل “صفر” من البطالة، ستحتاج الحكومة إلى إضافة 7.8 مليون وظيفة، وهو أمر لم يحدث قط في تاريخ الولايات المتحدة. أدنى معدل بطالة تم تسجيله على الإطلاق كان 2.5% في يونيو 1953.

تطورات سوق العمل الأخيرة

يشهد عام 2025 توقعات بتباطؤ نمو الوظائف، مما يشير إلى دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود في هذا القطاع. تزايد عدد العاطلين عن العمل، في المقابل، يشير إلى صعوبة متزايدة في العثور على فرص عمل جديدة.

بالإضافة إلى ذلك، لوحظ تراجع في معدل الاستقالات الطوعية، حيث انخفض إلى أدنى مستوى له في خمس سنوات في أكتوبر الماضي. هذا يشير إلى أن العاملين أصبحوا أكثر تمسكاً بوظائفهم الحالية بسبب حالة عدم اليقين السائدة في الوضع الاقتصادي.

يزيد من تعقيد الوضع عدم التوافق بين القطاعات التي تشهد نمواً في التوظيف والقطاعات التي يعاني فيها الباحثون عن عمل. على سبيل المثال، هناك طلب متزايد على العمال في قطاع الرعاية الصحية، بينما يواجه قطاعات الترفيه والنقل والتصنيع صعوبات في توفير فرص عمل.

تاريخ ترامب وتصريحاته حول البطالة

لم يكن هذا هو الموقف الأول لترامب من بيانات البطالة. فخلال حملته الرئاسية عام 2016، أدلى بتصريحات متضاربة وغير دقيقة حول معدل البطالة، زاعماً أنه قد يصل إلى 42%، وهو رقم مبالغ فيه بشكل كبير.

بعد توليه منصبه في عام 2017، وبعد صدور أول تقرير عن الوظائف في عهده، انخفض معدل البطالة بشكل طفيف من 4.8% إلى 4.7%. عندها، ادعى ترامب أن الأرقام التي وصفها سابقاً بأنها “مزيفة” أصبحت الآن “حقيقية”.

وفي أغسطس من هذا العام، أقال ترامب مفوضة مكتب إحصاءات العمل، إريكا ماكنتارفر، متهمًا إياها بالتلاعب بتقارير الوظائف الشهرية “لأغراض سياسية” دون تقديم أي دليل قاطع. هذا التشكيك المستمر في صحة البيانات الرسمية يثير قلقاً بشأن تأثيره على ثقة الشركات وصناع القرار في المعلومات الاقتصادية المتاحة.

إن التشكيك في صحة البيانات الرسمية قد يقوض دور الحكومة المهم في مساعدة الشركات على اتخاذ قرارات مدروسة بشأن التوظيف. كما أن مزاعم ترامب بأن سوق العمل الأمريكي أفضل مما هي عليه في الواقع قد تثير الشكوك حول مصداقيته، لا سيما فيما يتعلق بالاقتصاد، الذي يعد من أكثر القضايا حساسية بالنسبة للناخبين.

من المتوقع أن يستمر الجدل حول أداء الاقتصاد الأمريكي وقوة سوق العمل في الأيام والأسابيع القادمة، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. سيكون من المهم متابعة البيانات الاقتصادية الواردة من مصادر موثوقة، مثل مكتب إحصاءات العمل، لتقييم الوضع بشكل دقيق وموضوعي. كما يجب مراقبة ردود فعل المرشحين الرئيسيين على هذه البيانات، وتحليل مدى توافق تصريحاتهم مع الحقائق الاقتصادية المتاحة.

شاركها.