انتهى الإغلاق الحكومي الأمريكي مؤخراً، لكنّ حالة من الغموض الاقتصادي لا تزال تخيّم على الأسواق المالية العالمية. بدلاً من الاستقرار، يواجه المستثمرون الآن نقصاً في البيانات الرسمية، وتوقعات متقلبة من بنك الاحتياطي الفيدرالي (الفيدرالي)، وتقييمات متباينة لقوة الاقتصاد الأمريكي والعالمي في السنوات القادمة. هذا الوضع يجعل من الصعب على صناع السياسات اتخاذ قرارات مستنيرة، ويُزيد من التحديات التي تواجه النمو الاقتصادي العالمي في ظل هذه الظروف غير المعهودة. تتأثر توقعات **الفيدرالي** بشكل خاص بهذا المناخ الاقتصادي الضبابي.

بعد أسابيع من انقطاع البيانات الاقتصادية الهامة، تراجع مستوى اليقين في الأسواق بشكل ملحوظ. أي بيانات اقتصادية جديدة تصدر الآن تحمل وزناً كبيراً، وقادرة على تغيير مسار توقعات الفيدرالي بشكل جذري. وفي وقت سابق، كانت الأسواق تتوقع خفض أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي بحلول منتصف ديسمبر/كانون الأول، لكن هذه الاحتمالات انخفضت الآن إلى حوالي 50% فقط، مما يعكس حالة عدم اليقين السائدة.

الغموض يحيط بقرارات الفيدرالي وتأثيراته

يعكس التسعير الحالي للفائدة عودة إلى المستويات الطبيعية، المتوقعة بين 3.00% و 3.25%، لن تتم قبل أواخر عام 2026. وهذا يتوافق تقريباً مع التوقعات الأساسية للمحللين، ولكنه يؤكد أيضاً على مدى صعوبة التنبؤ بالمسار المستقبلي للسياسة النقدية الأمريكية. يُؤخذ في الاعتبار استمرار تحديات التضخم وديناميكيات سوق العمل عند تقييم هذه التوقعات.

مؤشرات مديري المشتريات كبديل للبيانات الرسمية

في ظل غياب البيانات الحكومية الرسمية، برزت مؤشرات مديري المشتريات الصادرة عن إس آند بي غلوبال كأداة مهمة لتقييم الوضع الاقتصادي الحالي. تشير هذه المؤشرات إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تتصدر الاقتصادات المتقدمة من حيث نمو الإنتاج، مع تحسن ملحوظ في كل من قطاعي التصنيع والخدمات. يعكس هذا الأداء قوة الطلب المحلي والمرونة التي يتمتع بها الاقتصاد الأمريكي.

إضافة إلى ذلك، تظهر المؤشرات بوادر استقرار في الاقتصادات التي واجهت صعوبات في الماضي القريب، مثل كندا ومنطقة اليورو واليابان. ومع ذلك، لا يزال هناك قلق بشأن تأثير التوترات التجارية والمخاطر الجيوسياسية على آفاق النمو في هذه المناطق. تعتبر **النمو الاقتصادي العالمي** موضوع تأمل كبير في هذه المرحلة.

الصين تلعب دوراً محورياً في التوقعات العالمية

أحد أبرز التغييرات في التوقعات الاقتصادية العالمية جاء من الصين. رفعت التقديرات الجديدة لنمو الناتج المحلي الحقيقي في الصين إلى 5.0% لعام 2025، و 4.6% لعام 2026، و 4.5% لعام 2027 – بزيادة تقارب ربع نقطة مئوية عن التوقعات السابقة. يعزى هذا التفاؤل إلى توقعات بتحسن الصادرات الصينية ودعم حكومي أكبر للنمو في إطار الخطة الخمسية الخامسة عشرة.

رغم استمرار بعض التحديات مثل الحواجز التجارية المحتملة من الأسواق غير الأمريكية، يُتوقع أن يستفيد الطلب المحلي من سياسات نقدية ومالية أكثر توسعية. كان هذا التحسن في آفاق الصين كافياً لرفع التوقعات للنمو العالمي بشكل طفيف في عامي 2025 و 2026، مما يسلط الضوء على أهمية الصين كمحرك للنمو العالمي.

تُظهر البيانات الأخيرة تباطؤاً ملحوظاً في النصف الثاني من عام 2025. بالإضافة إلى ذلك، تخضع روسيا لمراجعة أكثر حدة، مع تخفيض توقعات النمو لعام 2026 بشكل كبير بسبب العقوبات الإضافية وارتفاع ضريبة القيمة المضافة. أما المملكة المتحدة، فقد تم تقليص توقعات نموها في عام 2026 إلى ما دون 1% وسط مخاوف بشأن ما إذا كانت ميزانية 26 نوفمبر/تشرين الثاني ستقدم إجراءات تقشفية كافية لإقناع الأسواق.

الغموض في الاقتصاد الأمريكي لا يقتصر على الفيدرالي. الرسوم الجمركية المفروضة بموجب قانون الطوارئ الاقتصادية لا تزال تنتظر قرار المحكمة العليا. في حال إلغيت هذه الرسوم، قد تسعى الإدارة الأمريكية إلى بدائل قانونية للحفاظ على نفس النهج، مما سيؤدي إلى حالة جديدة من عدم اليقين في الأسواق، خاصة فيما يتعلق بالعجز والديون وعوائد السندات. أدى تراجع توقعات خفض الفائدة إلى ارتفاع عوائد الخزانة، في حين أن ضعف أسهم التكنولوجيا قلل من فرص تحقيق مكاسب كبيرة في الأسواق دون بيانات قوية من الولايات المتحدة.

انتهى الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة، ولكن بدأت حقبة جديدة من عدم اليقين. تشير التوقعات إلى أن السنوات القادمة ستشهد تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين مكافحة التضخم ودعم النمو، والاستعداد للاضطرابات السياسية والتجارية. ستكون البيانات الاقتصادية القادمة، وخاصة تلك المتعلقة بالتضخم وسوق العمل، حاسمة في تحديد مسار **السياسة الاقتصادية** وتقدير مدى المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي. من المتوقع أن يعقد الفيدرالي اجتماعاً في ديسمبر/كانون الأول لمراجعة أحدث البيانات واتخاذ قرار بشأن أسعار الفائدة، وهو ما سيكون له تأثير كبير على الأسواق المالية العالمية.

شاركها.