سجلت الصين ارتفاعاً في التضخم الاستهلاكي في نوفمبر 2025، ليصل إلى 0.7% على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى في 21 شهراً. يأتي هذا الارتفاع في وقت لا يزال فيه قطاع التصنيع يعاني من ضغوط انكماشية، مما يعكس ضعفاً مستمراً في الطلب المحلي على الرغم من جهود الحكومة التحفيزية. تشير البيانات إلى أن الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يواجه تحديات متزايدة في تحقيق توازن بين النمو والسيطرة على الأسعار.

أظهرت الإحصائيات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) بنسبة 0.7% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. في أكتوبر، كان معدل التضخم 0.2%. بينما يمثل هذا الارتفاع تحولاً طفيفاً، إلا أنه يثير تساؤلات حول قدرة الصين على الحفاظ على زخم النمو الاقتصادي في ظل هذه الظروف.

التضخم الاستهلاكي و تحديات الطلب المحلي

يعزى الارتفاع في التضخم الاستهلاكي بشكل رئيسي إلى زيادة أسعار المواد الغذائية، التي ارتفعت بنسبة 0.2% مقارنة بانخفاض قدره 2.9% في أكتوبر. ومع ذلك، ظل التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، ثابتاً عند 1.2%. يشير هذا إلى أن الضغوط التضخمية لا تزال محدودة نسبياً، لكنها تتطلب مراقبة دقيقة.

ضعف الإنفاق الاستهلاكي

على الرغم من الدعم الحكومي، لا يزال الإنفاق الاستهلاكي ضعيفاً. وفقاً لتقرير صادر عن شركة Bain & Co، ارتفع الإنفاق على السلع الاستهلاكية سريعة الدوران بنحو 1.3% منذ بداية العام، مدفوعاً بانخفاض متوسط الأسعار بنسبة 2.4%. يشير هذا إلى أن المستهلكين يستفيدون من الأسعار المنخفضة، لكنهم لا يزالون مترددين في زيادة الإنفاق بشكل كبير.

الإنكماش في أسعار المنتجين يمثل تحدياً إضافياً. انخفض مؤشر أسعار المنتجين (PPI) بنسبة 2.2% على أساس سنوي، مسجلاً انخفاضاً شهرياً للسادس والثلاثين على التوالي. يعكس هذا الانخفاض ضعف الطلب على السلع الصناعية، مما يجبر الشركات على خفض الأسعار للتخلص من المخزون الزائد.

يرى المحللون أن هذا الوضع يعكس اقتصاداً يبدو قوياً ظاهرياً، لكنه يواجه ضغوطاً انكماشية عميقة. تعتمد الشركات الصناعية على خفض الأسعار لتحفيز المبيعات، لكن هذا قد يؤدي إلى تآكل الأرباح وتقويض الاستثمار.

تداعيات الحرب التجارية و خطط التحفيز الحكومي

تفاقمت هذه التحديات بسبب تداعيات الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة. أدت الرسوم الجمركية المتبادلة إلى تعطيل سلاسل التوريد وزيادة تكاليف الإنتاج، مما أثر سلباً على الصادرات والنمو الاقتصادي. النمو الاقتصادي في الصين، على الرغم من أنه لا يزال إيجابياً، يواجه رياحاً معاكسة قوية.

في المقابل، تتعهد الحكومة بتوسيع الطلب المحلي خلال عام 2026، وهو العام الأول من خطة التنمية الخمسية الجديدة. يتوقع خبراء الاقتصاد موجة جديدة من الدعم الحكومي، بما في ذلك تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة بنحو 20 نقطة أساس في عام 2026. تهدف هذه الإجراءات إلى تحفيز الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي وتعزيز النمو الاقتصادي.

أولويات الإصلاح الهيكلي

بالإضافة إلى التحفيزات قصيرة الأجل، يرى المحللون أن تحقيق انتعاش اقتصادي مستدام يتطلب معالجة نقاط الضعف الهيكلية في الاقتصاد الصيني. تشمل هذه الأولويات استقرار قطاع العقارات، وخفض بطالة الشباب، وتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية. الاستثمار الأجنبي المباشر يلعب دوراً هاماً في هذا السياق.

من المتوقع أن تواصل الحكومة الصينية جهودها لتحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة الحكومة على معالجة التحديات الهيكلية وتنفيذ الإصلاحات اللازمة.

في الختام، من المتوقع أن تواصل الحكومة الصينية تنفيذ سياسات تحفيزية في عام 2026، مع التركيز على توسيع الطلب المحلي وتعزيز الاستثمار. ومع ذلك، فإن مستقبل الاقتصاد الصيني لا يزال غير مؤكد، ويتوقف على قدرة الحكومة على معالجة التحديات الهيكلية والتغلب على الضغوط الانكماشية. سيكون من المهم مراقبة تطورات مؤشرات التضخم والنمو الاقتصادي عن كثب في الأشهر المقبلة.

شاركها.