مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وكولومبيا، أثار الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو جدلاً واسعاً بزعمه أن دوافع واشنطن في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية تتعلق بشكل أساسي بالسيطرة على النفط الفنزويلي، وليس بمكافحة تهريب المخدرات. يأتي هذا التصريح في خضم خلافات متزايدة بين بيترو وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بما في ذلك فرض عقوبات على بيترو وإلغاء تأشيرته.
وفي مقابلة مع شبكة CNN، أكد بيترو أن “جوهر المسألة هو النفط”، مشيراً إلى أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم. وأضاف أن تركيز ترامب لا ينصب على التحول الديمقراطي في فنزويلا أو مكافحة المخدرات، بل على الوصول إلى هذه الموارد النفطية الهامة.
خلافات حول النفط الفنزويلي
تأتي تصريحات بيترو في وقت تزيد فيه الولايات المتحدة من نشاطها العسكري في المنطقة، وتفرض عقوبات على مسؤولين فنزويليين. وترى الإدارة الأمريكية أن نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يمثل تهديداً للاستقرار الإقليمي، وتتهمه بدعم الإرهاب وتهريب المخدرات.
لكن بيترو يرفض هذه الاتهامات، ويقلل من أهمية دور فنزويلا في تجارة المخدرات العالمية. ويقول إن فنزويلا ليست دولة منتجة للكوكايين، وأن الجزء الأكبر من تجارة المخدرات يمر عبر كولومبيا، وليس عبر فنزويلا. وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن كولومبيا تنتج أكثر من 2500 طن من الكوكا سنوياً، بينما لا تظهر فنزويلا على خرائط الإنتاج.
اتهامات متبادلة
تصاعدت حدة الخلاف بين بيترو وترامب في الأشهر الأخيرة. فقد اتهم بيترو الولايات المتحدة بمحاولة فرض إرادتها على جيرانها، ووصف أفعالها بالإمبريالية. وردت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على بيترو، متهمة إياه بالتورط في تجارة المخدرات، وهو ما نفاه الرئيس الكولومبي بشدة. كما ألغت وزارة الخارجية الأمريكية تأشيرة بيترو بعد دعوته الجنود الأمريكيين إلى عصيان أوامر ترامب.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن تصنيف عصابة “كارتل دي لوس سولس” كمنظمة إرهابية أجنبية، زاعمة أنها مرتبطة بمادورو. لكن بيترو أعرب عن شكوكه في هذه الصلة، وأكد أن مشكلة مادورو تكمن في غياب الديمقراطية في فنزويلا.
دور كولومبيا في مكافحة المخدرات
على الرغم من الخلافات السياسية، تظل كولومبيا حليفاً مهماً للولايات المتحدة في مجال مكافحة المخدرات. وقد دافع بيترو عن جهود حكومته في هذا المجال، قائلاً إنها ضبطت كميات قياسية من الكوكايين في السنوات الأخيرة. وأضاف أن حكومته تمكنت من زيادة عمليات الضبط بشكل يفوق نمو محاصيل المواد المخدرة.
ومع ذلك، تشير تقارير إلى وجود صلات بين مسؤولين كولومبيين ومنشقين عن جماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك). ووفقاً لبرنامج “نوتيسياس كاراكول” الإخباري الكولومبي، تبادل مسؤولون كولومبيون معلومات استخباراتية حساسة مع الجماعات المسلحة، وقدموا لهم المساعدة في الحصول على الأسلحة وتجنب الرقابة العسكرية. ونفى بيترو هذه المزاعم، لكنه أقر بوجود علاقات بين المسؤولين ومهربي المخدرات منذ سنوات.
العلاقات الثنائية
لطالما كانت كولومبيا حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية، وقد صنفتها إدارة بايدن “حليفاً رئيسياً من خارج حلف الناتو” في عام 2022. وعلى الرغم من التوترات الأخيرة، لا تزال العلاقات بين البلدين قائمة.
أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن المشكلات الحالية تتعلق ببيترو نفسه، وليس بالمؤسسات الكولومبية. وأشار إلى أن العلاقات مع الشعب الكولومبي والقطاع الاقتصادي والسياسيين والمؤسسات الدفاعية الكولومبية قوية وستستمر في النمو حتى بعد رحيل بيترو عن الرئاسة.
من المتوقع أن تستمر التوترات بين الولايات المتحدة وكولومبيا في المستقبل القريب، خاصةً فيما يتعلق بالوضع في فنزويلا ومكافحة المخدرات. وستراقب الأوساط الإقليمية والدولية عن كثب تطورات هذه الخلافات وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي. كما ستكون ردود فعل إدارة بايدن على تصريحات بيترو المتزايدة حدة، ومستقبل المساعدات الأمريكية لكولومبيا، من بين الأمور التي يجب متابعتها في الأشهر القادمة.
