يشكل التغير المناخي تحديًا عالميًا متزايدًا، حيث تؤثر ارتفاعات درجات الحرارة وأنماط الطقس المتطرفة على جميع قارات العالم. تشير أحدث التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن النشاط البشري هو المحرك الرئيسي لهذا التغير، وتحديداً انبعاثات الغازات الدفيئة. وقد بدأت آثار هذه الظاهرة بالظهور بوضوح في المنطقة العربية، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من حدتها والتكيف مع تبعاتها.

تتفاقم حالات الجفاف والفيضانات في العديد من الدول العربية، كما تشهد المنطقة ارتفاعًا في مستوى سطح البحر وارتفاعًا في درجات الحرارة بشكل أسرع من المتوسط العالمي. وتؤثر هذه التغيرات بشكل كبير على الموارد المائية والأمن الغذائي، بالإضافة إلى زيادة خطر انتشار الأمراض وتعطيل البنية التحتية. وقد شهدت السنوات الأخيرة مبادرات إقليمية ودولية لمواجهة هذه التحديات، لكن الجهود لا تزال غير كافية.

أسباب التغير المناخي وتأثيراتها على الدول العربية

يعزى التغير المناخي بشكل أساسي إلى زيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز. وتنتج هذه الغازات عن حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز الطبيعي) في عمليات توليد الطاقة والصناعة والنقل. تشير البيانات إلى أن قطاع الطاقة هو أكبر مصدر للانبعاثات على مستوى العالم.

التأثيرات المباشرة للمناخ المتغير

تشمل التأثيرات المباشرة لارتفاع درجة الحرارة في المنطقة العربية: زيادة التبخر وفقدان الرطوبة في التربة، مما يؤدي إلى تفاقم ظاهرة التصحر. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر ارتفاع مستوى سطح البحر على المناطق الساحلية المنخفضة، مما يزيد من خطر التآكل والفيضانات وتلوث المياه الجوفية. وقد سجلت العديد من المدن الساحلية ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الفيضانات خلال السنوات الأخيرة.

ارتفاع درجة الحرارة وتأثيره على الزراعة

يعتبر القطاع الزراعي من أكثر القطاعات تضررًا من التغير المناخي. فارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تقليل إنتاجية المحاصيل ويزيد من حاجة النباتات إلى المياه. كما أن التغيرات في أنماط الأمطار تؤثر على توافر المياه اللازمة للري، مما يهدد الأمن الغذائي في المنطقة. ويشهد الأمن الغذائي تحديات متزايدة، مما يستدعي تطوير استراتيجيات زراعية مستدامة.

تأثيرات أخرى مثل ندرة المياه

تساهم الظاهرة في تفاقم مشكلة ندرة المياه في المنطقة العربية، التي تعد من أكثر المناطق جفافًا في العالم. يتسبب انخفاض هطول الأمطار وزيادة التبخر في تقلص الموارد المائية المتاحة، مما يزيد من المنافسة عليها بين القطاعات المختلفة. وتشير التوقعات إلى أن هذه المشكلة ستزداد سوءًا في المستقبل.

مبادرات وجهود الدول العربية لمواجهة التغير المناخي

تدرك الدول العربية خطورة التغير المناخي وتبعاته، وقد بدأت في اتخاذ بعض الإجراءات للتخفيف من حدته والتكيف مع آثاره. وتشمل هذه الإجراءات الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وقد أعلنت بعض الدول عن خطط طموحة لزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل الدول العربية على تطوير استراتيجيات وطنية للتكيف مع التغير المناخي، وتشمل هذه الاستراتيجيات تحسين إدارة الموارد المائية، وتطوير سلالات مقاومة للجفاف من المحاصيل، وحماية المناطق الساحلية من ارتفاع مستوى سطح البحر. وقد قامت بعض الدول بإنشاء صناديق وطنية لتمويل مشاريع التكيف مع التغير المناخي.

دور التعاون الإقليمي

يلعب التعاون الإقليمي دورًا هامًا في مواجهة التغير المناخي. تعتبر مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي أطلقتها المملكة العربية السعودية، مثالًا على الجهود الإقليمية الطموحة. تهدف هذه المبادرة إلى زراعة ملايين الأشجار واستعادة الأراضي المتدهورة في المنطقة، بالإضافة إلى الاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة. كما تشارك الدول العربية بفاعلية في المفاوضات الدولية بشأن التغير المناخي.

التحديات المستقبلية وآفاق العمل

على الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه الدول العربية في سياق مواجهة التغير المناخي. من بين هذه التحديات نقص التمويل المتاح لمشاريع التخفيف والتكيف، والاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري في بعض الدول، وضعف البنية التحتية في بعض المناطق. بالإضافة إلى ذلك، يمثل نقص الوعي العام بأهمية مواجهة التغير المناخي عائقًا أمام تحقيق التقدم المطلوب.

في المستقبل القريب، من المتوقع أن تشهد المنطقة العربية المزيد من التأثيرات السلبية للتغير المناخي، مثل زيادة حالات الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر. ستحتاج الدول العربية إلى تكثيف جهودها في مجالات التخفيف والتكيف، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وزيادة الوعي العام. من المقرر أن تقدم الدول العربية تحديثًا لـ “المساهمات المحددة وطنيًا” (NDCs) في إطار اتفاق باريس للمناخ بحلول نهاية عام 2024، و سيكون هذا التحديث بمثابة نقطة محورية لتقييم طموح المنطقة في مواجهة هذا التحدي العالمي. سيكون من الضروري مراقبة التقدم المحرز في تنفيذ هذه المساهمات، وتقييم كفاية التمويل المتاح، وتحديد المخاطر والتحديات المحتملة التي قد تعيق تحقيق الأهداف المرجوة.

شاركها.