يتوقع صندوق النقد الدولي تسارعًا في نمو اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي ليصل إلى متوسط 3.3% في عام 2025، بعد فترة من النمو المتباطئ في عام 2024. يعزى هذا التحسن المتوقع إلى تخفيف قيود إنتاج النفط، بالإضافة إلى استمرار زخم الأنشطة الاقتصادية غير النفطية التي تقود التنمية في المنطقة. ويشير هذا التوقع إلى تعافٍ تدريجي للاقتصاد الخليجي مع مواجهة تحديات عالمية مستمرة.
تعافٍ مدفوع بعودة النفط وقوة الأنشطة غير النفطية
شهدت اقتصادات دول الخليج نموًا متواضعًا بلغت نسبته 1.7% في عام 2024، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى التخفيضات المتفق عليها في إنتاج النفط ضمن إطار “أوبك بلس”. ومع ذلك، استثمرت الحكومات الخليجية بشكل كبير في تنويع اقتصاداتها، مع التركيز على قطاعات مثل السياحة والبنية التحتية والصناعة، مما ساهم في تهيئة الظروف لتعافٍ أقوى في العام المقبل.
يتقاطع هذا التوقع مع تقديرات البنك الدولي، الذي يتنبأ بنمو مماثل يقارب 3.2% في عام 2025، وارتفاعه إلى 4.5% في عام 2026. يعكس هذا التوافق في التوقعات نظرة إيجابية نسبياً لمستقبل اقتصادات المنطقة، على الرغم من وجود بعض المخاطر.
القطاع غير النفطي.. محرك النمو الحقيقي
أصبح القطاع غير الهيدروكربوني المحرك الرئيسي للنمو في اقتصادات الخليج. فقد نما هذا القطاع بنحو 3.7% في المتوسط خلال عام 2024، مدفوعًا بالطلب المحلي القوي والاستثمارات الضخمة، خاصة في المملكة العربية السعودية.
وتشير البيانات إلى أن الاستثمارات غير النفطية شكلت ما بين 85% و90% من إجمالي تكوين رأس المال. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تساهم الفعاليات الكبرى التي ستستضيفها المنطقة، مثل كأس آسيا 2027، والألعاب الآسيوية الشتوية 2029، وإكسبو 2030، وكأس العالم 2034 في السعودية، في تعزيز هذا الزخم على المدى المتوسط.
تفاوت في وتيرة النمو بين دول الخليج
من المتوقع أن تتباين وتيرة النمو بين دول مجلس التعاون الخليجي. فمن المحتمل أن تشهد الكويت وقطر نموًا يقترب من 2.5%، بينما يتراوح النمو في البحرين وعُمان والسعودية بين 3.5% و4%. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فيتوقع أن يصل النمو إلى حوالي 4.5% على المدى المتوسط.
التضخم تحت السيطرة والسياسات النقدية ثابتة
على الرغم من التوترات التجارية العالمية، كان تأثيرها المباشر على دول الخليج محدودًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى استثناء الطاقة من الرسوم الجمركية الأمريكية وضعف الروابط التجارية المباشرة مع الولايات المتحدة. نتيجة لذلك، انخفض معدل التضخم في المنطقة إلى 1.5% في عام 2024، واستقر بالقرب من 1% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025.
تشير التوقعات إلى أن التضخم سيظل دون 2% في البحرين وعُمان وقطر، وقريبًا من 2% في السعودية والإمارات، مع مستويات أعلى قليلاً في الكويت. ويعزى هذا الاستقرار إلى ربط العملات بالدولار الأمريكي، والالتزام بالسياسات المالية الحكيمة، ومرونة سوق العمل التي تعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة.
القطاع المصرفي: متانة وسيولة وربحية
يتمتع القطاع المصرفي الخليجي بمكانة قوية، حيث تظل نسب كفاية رأس المال مرتفعة فوق المتطلبات التنظيمية، والسيولة مريحة، مع انخفاض نسب القروض المتعثرة. كما شهدت ربحية البنوك تعافيًا ملحوظًا بعد جائحة كوفيد-19، مع بقاء المخصصات قوية في الكويت وتراجع الضغوط الائتمانية في الإمارات.
على الرغم من تراجع عائدات النفط بسبب انخفاض الأسعار، من المتوقع أن تظل الأوضاع المالية مستقرة نسبيًا، مدعومة بهوامش أمان مالية كبيرة في معظم دول الخليج وقدرة الحكومات على مواصلة الإنفاق الاستثماري دون ضغوط فورية على الاستدامة المالية. نمو اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي يعتمد بشكل كبير على هذه العوامل.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض المخاطر التي تهدد هذا النمو، بما في ذلك ضعف الطلب العالمي على النفط بسبب التوترات التجارية أو الاضطرابات المالية العالمية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي تصاعد التوترات الجيوسياسية، أو تأخر خفض أسعار الفائدة الأمريكية، أو استيراد ضغوط تضخمية من تراجع الدولار الأمريكي إلى زيادة الضغوط على الاقتصادات الخليجية. كما أن أي تباطؤ في الإصلاحات الاقتصادية أو تأخير في تنفيذ المشاريع الكبرى قد يقلل من الزخم المتوقع.
من المتوقع أن يقوم صندوق النقد الدولي بمراجعة توقعاته الاقتصادية لدول الخليج في الأشهر المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار التطورات العالمية والإقليمية. ويجب مراقبة تطورات أسعار النفط، والتقدم في برامج التنويع الاقتصادي، والسياسات النقدية للحصول على صورة أوضح لمستقبل النمو الاقتصادي في الخليج.
